الإثنين ٠٦ / أكتوبر / ٢٠٢٥
من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية

أخبار عاجلة

طوفان الأقصى ينتقل بشكلٍ مُتسارعٍ إلى الضفّة.. ويعدّ استقبالًا حارًّا لترامب وصفقة قرنه.. وضربات مُوجعة بل قاتلة لنتنياهو.. إليكُم التفاصيل

مفهوم الوحدة الوطنية في رؤية الرئيس سليم الحص

مفهوم الوحدة الوطنية في رؤية الرئيس سليم الحص

مفهوم الوحدة الوطنية في رؤية الرئيس سليم الحص(أمثولات للراهن اللبناني)

د. ساسين عساف 

الوحدة الوطنية في رؤية الرئيس الحص هي الرابط العضوي بين مختلف القضايا والمسائل التي كان له فيها رأي أو موقف، والتي تبقى في فراغ القيمة والمعنى ما لم تقترن بالوحدة.

لبنان يسقط في فراغ القيمة والمعنى والوجود ما لم يحتفظ بجوهر وجوده: "الوحدة والحرية".

الهوية اللبنانية لا قيمة لها في حال تشظّيها إلى هويات.

الدولة اللبنانية لا معنى لها ما لم تكن دولة الوحدة.

الدستور اللبناني لا اعتبار له ما لم تشكّل أحكامه مرتكزات وحدة الوطن أرضاً وشعباً ومؤسسات.

السيادة تبقى منتهكة ما لم تكن مسيّجة بالوحدة.

النظام السياسي يخسر وظائفه ما لم تعمل آلياته وفق مسارات وحدوية.

الديموقراطية، الحرية، المواطنة، مفردات حقوق تفقد معانيها متى انسلخت عن سياقات الوحدة.

لبنان

وحدة لبنان في رؤية الرئيس الحص "تعادل وجوده"، وجوهر وجوده فيها  هو "الوحدة والحرية".

رهنه لوجود لبنان بالوحدة الوطنية لمواجهة خطر التقسيم حقيقة ثبّتها في غير نصّ من كتاباته ف "لبنان يكون واحداً أو لا يكون."

هذه الوحدة هي "سياج لبنان الأكبر لا بل سلاحه الأمضى في مواجهة أكبر قوى في العالم".

الهوية اللبنانية

هي هوية الوحدة، هوية المواطنة، هوية المساواة بين المواطنين، يقول:

"كل حامل هوية لبنانية يجب أن يشعر أنّها كافية لمساواته مع أخيه المواطن في الحقوق والواجبات."

ليست هي فقط هوية المواطنة إنّما هي أيضاً هويّة الأخوّة في المواطنة.

في 2/4/1989 وجّه نداء إلى "أخي المواطن في الشرقية" قال في مطلعه:

" كنت دوماً أرفض أن يكون الفاصل بيننا خطّ تماس المتقاتلين. فلا أنا مقاتلك ولا أنت مقاتلي. لعلّك سمعتني يوماً أقول: إذا كتب على الأخ أن يقاتل أخاه فلا فضل لأيّ منّا في أن يكون الأخ القاتل أوينتصر أخ بقتل أخيه؟"

وليست هوية الأخوّة في المواطنة فقط إنّما هي أيضاً هويّة شعب واحد ووطن واحد ومجتمع واحد ودولة واحدة:

في 16/12/1989 وجّه نداء آخر خاطب فيه "أخي في الشرقية":

" أمّا أنت يا أخي في الشرقية فتعرف أنّ العنف في قاموسنا ليس لغة للتخاطب بين أبناء الشعب الواحد، ونحن مصرّون على أنّنا شعب واحد... ثمّ إنّنا من المؤمنين بوحدة لبنان، وطناً ومجتمعاً ودولة... ونرى أنّ توطيد وحدة لبنان لا يكون بالعنف وإنّما بالوفاق... لن تسمع منّا إلاّ الدعوة للوفاق والوئام والوحدة."

هذان النداءان أدرك الرئيس الحص أثرهما لدى إخوانه في الشرقية بعد عقد من السنين (1989-1999) في أثناء زيارته لجامعة الروح القدس/الكسليك في 4/7/1999 لقي من التصفيق ساعة استقباله في قاعة المحاضرات ما لم يلقه رئيس قبله أو مسؤول. الحفاوة التي أبداها جمهور الحاضرين من مسؤولين في الجامعة وأساتذة وطلاب وأكاديميين ومثقّفين مدعوين من خارجها لم يبدها مجّاناً بل تكريماً لضمير الوطن الواحد ورجل الدولة الواحدة، والحوار الحضاري الذي جرى ضارباً في عمق القضايا أظهر كم كان الرجل صادقاً في دعوته "للوفاق والوئام والوحدة."

الدولة اللبنانية

بين الوحدة الوطنية والدولة اللبنانية الواحدة في رؤية الرئيس الحصّ وثاق عضوي فالدولة تبقى شراذم دول بدون وحدة، والوحدة بدون دولة واحدة تبقى في حالة اهتزاز دائم.

الدولة الوطنية تنتجها الوحدة الوطنية. والوحدة الوطنية هي وحدة شعب لا تحالف  بين زعماء أو إتّحاد بين طوائف. لذلك من توصيفات الدولة اللبنانية في رؤية الرئيس الحص:

دولة دستور لا تعلو سيادة أحكامه لا إرادة حكّام وأمزجة ولا أعراف مختلقة

تطبيق الدستور في رأيه ورؤيته وسلوكه يحمي الوحدة الوطنية من الإنشطار والحكم من الإنهيار والدولة من التشظي. من نصّ دستوري واضح في المادة 62 من دستور الجمهورية الأولى: " في حال خلوّ سدّة الرئاسة لأيّة علّة كانت تناط السلطة الإجرائية وكالة بمجلس الوزراء" قاد معركة الرفض لشرعيّة ما سمّي حكومة عسكرية إنتقالية ليس لها ذكر في الدستور، واستمرّت حكومته في تحمّل المسؤولية ساعياً إلى "توحيد الحكومة ضماناً لوحدة الوطن" فوضع مذكّرة في 15/10/1988 حملت العنوان نفسه جاء فيها ما مؤدّاه:

وجود حكومتين حالة مرضية تقضي على وحدة الشعب والمؤسسات... التعايش مع هذا الواقع لن يكون من شأنه سوى خدمة مشروع تقسيم لبنان... هذه الظاهرة يخشى أن يكون فيها إيذان بنهاية عهد الوحدة وبداية عهد التقسيم..

والحلّ الأقرب منالاً في رأيه آنذاك إعادة الوحدة للسلطة الإجرائية وتشكيل حكومة واحدة تلغي الحكومتين.

دولة مؤسسات دستورية يشكّل الشعب مرجعيتها الشرعية لا زعماء الطوائف السياسيون ولا رؤساؤها الروحيون

وحدة الدولة تعبّر عن وحدوية الشعب عبر مؤسساتها المركزية وتعتمد فقط اللامركزية الإدارية. يقول في أوّل حديث تلفزيوني له في 22/1/1977 ما يلي:

"نحن مع اللامركزية الإدارية إلى أبعد الحدود أمّا اللامركزية السياسية فنعتبرها ضرباً من ضروب التقسيم أو خطوة في اتجاهه."

وفي ورقة عمل أعدّها بناء على طلب وزراء الخارجية العرب المجتمعين في بيت الدين بتاريخ 15/11/ 1978 أعاد الموقف نفسه بصيغة أشدّ تفصيلاً، قال: "مع اللامركزية الإدارية إلى أبعد الحدود الممكنة... مع المحافظة على وحدة البلد السياسية من خلال التمسّك بوحدة الأجهزة الأمنية من قوى أمن وجيش، بوحدة الموازنة العامة والخطة الإنمائية، بوحدة المنهج التربوي، بوحدة التمثيل الخارجي، والأخذ بمبدأ اللاحصرية إلى أبعد الحدود الممكنة في الإدارات التي تحتفظ بالطابع المركزي."

خطّ بيده أوّل صياغة لمشروع بيان الثوابت الإسلامية حيث رفض الموقف الإسلامي في ثوابته العشر"أيّ شكل من أشكال اللامركزية السياسية سواء طرحت في صيغة الكونفدرالية أو الفيدرالية أو الإتّحاد بين ولايات أو كانتونات أو غيرها من أشكال الكيانات الذاتية، لأنّ كلّ هذه الطروحات وأمثالها تضع لبنان على شفير التقسيم والتفتيت.."

وحدة الدولة تتبدّى في وحدة مؤسساتها:

رفض أن تقوم حكومته بتعيين قائد جيش أصيل على الرغم من اعتبار المنصب شاغراً. ولكن بعد إصرار حكومته عيّن اللواء سامي الخطيب قائداً بالتكليف.

رفض مبدأ فتح باب التطوّع في الجيش في ظلّ الإنقسام القائم معتبراً ذلك بمثابة انتحار وطني.

رضي بأن يتّبع حاكم مصرف لبنان سياسة التوازن بين الحكومتين إذ أنّ الخطر كلّ الخطر، كما يقول، في حمل مصرف لبنان على المغالاة في اتّباع سياسة منحازة لمصلحتنا."

الأساس في هذه المواقف مجتمعة وحدة الدولة من وحدة مؤسساتها.

دولة مشاركة

دولة المشاركة تؤمّن الحماية الوافية لعدم الإنزلاق إلى قيام الدولة/الفرد أو الدولة/الفئة سواء كانت عائلة أو حزباً أو طائفة، وتضمن تالياً وحدة الشعب وحقّه عبر ممثّليه في صناعة القرارات المصيرية.

الرئيس الحصّ كان شريك الرئيس الحسيني في وضع "مبادئ الوفاق الوطني" التي منها انبثقت "وثيقة الوفاق الوطني" المعروفة باتفاق الطائف.

أهمّ التعديلات الدستورية التي لها علاقة بالوحدة الوطنية جعل السلطة الإجرائية منوطة بمجلس الوزراء إذ لا وحدة وطنية بدون مشاركة حقيقية في السلطة الإجرائية التي غدت من "اختصاص مجلس الوزراء ككلّ."  

دولة نظام سياسي ديموقراطي

نظام الحكم الوطني ديموقراطي وجوباً في حين أنّ النظام القائم في رأيه أوتوقراطي لا ديموقراطي. لقد وضع الرئيس الحصّ منهجاً خاصاً في إدارة الحكم الوطني والسلوك السياسي الديموقراطي: " إذا صوّتم لي فإنّني أشكر لكم ثقتكم وإذا صوّتم لغيري فإنّني أنحني لإرادتكم." الديموقراطية صمّام أمان الوحدة الوطنية وانتظام الحكم الوطني وهي تحول، على حدّ تعبيره، "دون انفجار أزمات أو محن وطنية."

الرئيس الحص كان من العاملين لقانون إنتخابات نيابية يعتمد لبنان دائرة إنتخابية واحدة والنظام النسبي حرصاً منه على الوحدة الوطنية من خلال وحدة الجسم الإنتخابي وصحّة التمثيل.

دولة إعتدال لا تطرّف

سمة الدولة تعرف من رأس الدولة. عند كلّ استحقاق رئاسي كان الرئيس الحصّ يعدّد كتابة وتصريحاً مواصفات المرشّح لرئاسة الدولة، منها:

مرشّح إجماع، تلتقي حوله إرادات اللبنانيين من مختلف الفئات، يكون لجميع اللبنانيين من غير تفريق أو تمييز.

وما خالف ذلك يقضي "على مرتكزات الوطن".

وله في هذا السياق كلام تحذيري من الإتيان برئيس للجمهورية من المتطرّفين كي لا تشقّ الطريق لتقسيم لبنان وتفتيته.

وجوهر موقفه هو أنّ  "سدّة الرئاسة في لبنان لا يجوز أن يحتلّها متطرّف لأنّ التطرّف في ذلك الموقع من شأنه تعريض وحدة لبنان للتصدّع."

دولة سيادة وقرار حرّ

الإستقواء بالخارج واستدراجه إلى الداخل إنتهاك للسيادة والقرار الحرّ. يقول في هذا السياق: "إذ يعمد كلّ فريق إلى الإستقواء بجهة خارجية فإنّه يساهم من حيث يدري أو لا يدري في تمكين قوى الخارج بمسار الصراع في الداخل..." ثمّ يضيف: "ولا يلبث الصراع داخل البلد الصغير أن يتحوّل إلى حرب الآخرين على أرضه”، مستعيداً بذلك مقولة الأستاذ غسان تويني.

في مسألة السيادة إلتزم الرئيس الحصّ "خطّ المقاومة والتحرير" ولم يرتهن لأصحاب القرار في الخارج. في يقينه، كما كتب وصرّح، أن كوارث لبنان سببها إسرائيل، وأنّ حصيلة الحرب على لبنان 2006 كانت نصراً للمقاومة، وأنّ انتصار المقاومة حينها عزّز الوحدة الوطنية.

دولة نزاهة

من يعمل لوطنه لا يعمل لنفسه، من يعمل لنفسه يهدّد الوحدة الوطنية. نهج تناتش المكاسب الخاصة يهدّد وحدة الحكم والوحدة الداخلية.

دولة كفاءة وحقوق مواطنين لا محاصصات طائفية

من بيان وزارته الأولى 1976 تبرز علامات الطريق إلى الخروج من الدولة الطائفية من خلال الكلام على إلغاء الطائفية الوظيفية في الإدارة والقضاء والجيش. لم يتمّ الإتّفاق فشطبت العبارة من البيان، وبالرغم من ذلك طبّق إلغاءها في القضاء إذ وافق على أحد عشر ناجحاً مسيحياً للدخول إلى معهد القضاء من أصل أربعة عشر ناجحاً (المرسوم رقم 41 تاريخ 23 شباط 1977) وهو القائل: " الطائفية في لبنان سيف ذو ثمانية عشر حدّاً." وهي توهن الحياة الوطنية وهي "آفة المجتمع في لبنان.. وهي اللغم المزروع دوماً في طريق مستقبله". ما ينماز به الرئيس الحصّ هو أنّ أقواله ليست حروفاً جامدة بل أفعال حيّة.. فالطائفي لا يعرف من خطابه بل من سلوكه.

دولة الحق هي ضمانة الوحدة ومستقبل الوطن.

ويبقى السؤال بعد كلّ هذا أين سياسيو اليوم من رؤية الرئيس الحص هذا الرجل المثال الذي ظلّ قوياً مدى حكمه ومدى عمره، رحمات الله عليه وأسكنه في جنانه في ما يليق به، لأنّه لم يطلب شيئاً لنفسه..  لا أبغي القيام بمقارنات لكي أبقي الرجل في الرفعة المستحقة ويبقى الآخرون في الضعة التي هم فيها لأنّهم لم يطلبوا شيئاً إلاّ لأنفسهم..


موضوعات ذات صلة