الإثنين ٠٦ / أكتوبر / ٢٠٢٥
من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية

أخبار عاجلة

طوفان الأقصى ينتقل بشكلٍ مُتسارعٍ إلى الضفّة.. ويعدّ استقبالًا حارًّا لترامب وصفقة قرنه.. وضربات مُوجعة بل قاتلة لنتنياهو.. إليكُم التفاصيل

جرائم الإبادة والترحيل في الفكر الصهيوني : صمود غزّة والدولة الفلسطينية

جرائم الإبادة والترحيل في الفكر الصهيوني : صمود غزّة والدولة الفلسطينية

جرائم الإبادة والترحيل في الفكر الصهيوني : صمود غزّة والدولة الفلسطينية

د. ساسين عساف

جرائم الإبادة وسيلة ملازمة للاحتلال والترحيل (ترانسفير) في الفكر الصهيوني.

فالصهيونية حركة استيطانية احتلّت الأرض وأبادت الشعب الفلسطيني أو رحّلته ومن بقي منه في أرضه فهو، وفق استراتيجيتها التاريخية، مشروع إبادة وترحيل في أيّ لحظة.

إبادة الشعب الفلسطيني أو ترحيله هو حلّها التاريخي والجذري والنهائي للقضيّة الفلسطينية.

فكرة "إسترداد الأرض الموعودة" (أرض الميعاد) أو ترجمة أسطورة "وعدانيّة الأرض" تستدعي "تطهيرها" من الفلسطينيين عبر إبادتهم وترحيل من تبقّى منهم.

"تطهير الأرض" من الفلسطينيين هو فرض إلهي وواجب وإجراء بدونه لن يتحقّق لليهود الصهاينة انبعاثهم القومي ولن تتحقّق تالياً إرادة الله!.

إنّ ربط تحقيق الإنبعاث القومي بتحقيق إرادة الله هو الذي يجعل الإجراءات العنصرية (إبادة وترحيل) إجراءات مباركة من لدن الربّ!. وهذا من مبادئ التقديس التلمودي وتعاليمه الحتمية.

الإبادة والترحيل هما في صلب العقيدة الصهيونية التلمودية العنصرية والعدوانية والإقتلاعية والإحلالية التي لها تفسيرها التلمودي عبر نصوص لا تجد لها ترجمة عملية سوى "بالعنف المقدّس" الذي نقلته الصهيونية من حيّز الأسطورة إلى حيّز الواقع، إلى ممارسة إرهابية يومية ضدّ الفلسطينيين.

بدون هذه الممارسة الإرهابية ما كان ليقوم أصلاًكيان صهيوني فوق أرض فلسطين..

إلى جانب "العنف المقدّس" مارس الصهاينة "العنف الإستعماري" الذي يعود بجذوره التاريخية إلى إبادة  الهنود على يد المهاجرين/الغزاة الأوروبيين للأميريكيّتين.

العنف بنوعيه المقدس والإستعماريجعل الصهاينة ينظرون إلى فلسطين، وفق ادّعائهم "أرضاً بلا شعب لشعب بلا أرض"..

الإبادة والترحيل ضرورتان متلازمتانلكي تستقيم معادلة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" (شعب مجلوب لا تدفعه إلى أرض فلسطين سوى إرادة إستعمارية تقسيمية لفصل بلاد النيل عن بلاد الشام)

فكرة الإبادة لا تنشأ ولا تنمو تلقائيّاً إنّما لها جذور ضاربة في المقدّس الصهيوني وفي الإرث أو التقليد الإستعماري.

"السيف (وسيلة القتل والإبادة) والتوراة (رمز المقدّس) نزلا علينا من السماء" يقول جابوتنسكي فيلسوف العنف في الحركة الصهيونية.

"إنّ خير مفسّر ومعلّق على التوراة هو الجيش (وسيلة القتل والإبادة) يقول بن غوريون.

جرائم الإبادة والترحيل متأصّلة في الفكر والممارسة لدى الصهاينة، تلازمها وتغذّيها  الممارسة والثقافة الإستعمارية.

جرائم الإبادة والترحيل هي التي حوّلت الفلسطينيين إلى لاجئين (وهم في رأينا نازحون مهجّرون ومقتلعون ومطرودون وليسوا لاجئين) وهكذا قامت "الدولة اليهودية العرقية" (وهي في رأينا الكيان الصهيوني العنصري الغاصب)

صودرت أراضي فلسطين وهجّر منها سكّانها وأصحابها الأصليون بارتكاب المذابح ( اللدّ، الرملة، حيفا، دير ياسين ...)

فكرة الترحيل، فكرة الاقتلاع والطرد تعود الى العام 1914 حين أطلقها الصهيوني آرثر روين مقترحاً نقل الفلسطينيين إلى سوريا. ثمّ تجدّدت الفكرة مع هرتزل على أساس "نقل نصف مليون فلسطيني إلى الدول العربية مع تعويضهم وتوطينهم هناك." هذه الفكرة حظيت بتأييد الحزب الليبرالي البريطاني في العام 1945 الذي دعا إلى طرد عرب فلسطين إلى العراق. (كلام قديم يتجدّد كل فترة وبخاصة بعد إحتلال العراق 2003)

مع الزمن تحوّلت فكرة الطرد الى حلّ عملي للمشكلة الديموغرافية في الاستراتيجيا الصهيونية.

إنّ العودة الى كرونولوجيا الارهاب الصهيوني تظهر أنّ مفهوم "الترانسفير" في الفكر الصهيوني يعود الى العام 1882، وهو مفهوم جسّدته كرونولوجيا الارهاب منذ العام 1936 المستمرّة حتى اليوم على الرغم من اعتراف عدد من الدول العربية بالكيان الصهيوني وعلى الرغم من أنّ العدد الآخر أبدى استعداده لهذا الاعتراف بقبوله التفاوض على أساس تنفيذ القرارين 242 و338 وسائر القرارات ذات الصلة فضلاً عن ابرام منظّمة التحرير اتفاق أوسلو وملاحقه.. وعليه،

انّ مسلسل الاقتلاع والطرد لم يتوقّف ولن يتوقّف واستكماله أو عدم استكماله ليس وقفاً على الإرادة العربية الراضخة بل هو مرتبط بثقافة التصفية والعنف والابادة في سوسيولوجيا السياسة الصهيونية .

فكرة الطرد تحوّلت الى هاجس لدى قادة الكيان الصهيوني من موشي دايان الى اسحق رابين الى شارون الذي كان يلازم بين الطرد والاستيطان لترحيل الفلسطينيين باتجاه الأردن..

رحبعام زئيفي، أحد وزرائه، كان يقول: "الترانسفير هو الذي يقود الى السلام." وهو مؤسّس "حركة موليديت"، أمناء أرض اسرائيل، وواضع وثيقتها عن الطرد الجماعي. من بنود هذه الوثيقة: الترحيل بالمال، الترحيل بالقتال، الترحيل بالاتفاق (أي بالاتفاق مع الأردن)  خلفية هذه الوثيقة هي أنّه لا حلّ للصراع العربي/ صهيوني الاّ بالترحيل.. 

أمّا وجهات الترحيل فباتت معروفة: أرض سيناء لفلسطينيي غزّة، الضفّة إلى الأردن، يصاحبه تدمير المسجد الأقصى.         

الترحيل هو جوهر موقف صهيوني استراتيجي ثابت من حقّ العودة يقوم على الآتي: "مشكلة المطرودين هي مسؤولية عربية وحلّها يقتضي توطينهم حيث يقيمون، مشكلة المطرودين تعادل مشكلة المهاجرين اليهود من الدول العربية... والحلّ هو في تبادل السكان ".

الترحيل يمكّن اسرائيل من تثبيت كيانها العنصري . والمسألة تتجاوز فلسطينيي الضفّة والقطاع الى فلسطينيي العام 1948 الذين بلغ تعدادهم  21% من سكّان الأراضي الفلسطينية المحتلّة وفق إحصائيات العام 2023 والذين يعتبرهم "المجلس الصهيوني" قنبلة ديموغرافية موقوتة ينبغي رميها خارج الكيان.

وبهدف تسهيل عمليات الاستيطان وإجبار الفلسطينيين على الرحيل  فضلاً عن الطرد والقتل الجماعي، أصدرت إسرائيل قوانين تتعلّق باستعمال الأرض فحوّلت معظم أراضي فلسطين التاريخية بما يعادل 92% إلى "أراضي دولة." .

فالايديولوجيا الصهيونية هي عنصرية بطبيعتها التكوينية تعتمد التطهير العرقي في سعيها الدائم إلى دمج الفلسطينيين والأردنيين في دولة واحدة، وهذا  هو هدف استراتيجي للقضاء النهائي على فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلّة.

ولكن،

صمود غزّة والضفّة سيفضي بالنهاية إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلّة فوق أرض فلسطين التاريخية،  لا بل أكثر من هذا سيجعل المستعمرين الصهاينة أمام سؤال المصير في العقود المقبلة.

منذ إنشاء الكيان الصهيوني حتى الحرب على غزّة والضفّة والهدف واحد: عدم قيام دولة فلسطينية مستقلّة فوق كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر، فقيامها يشكّل مقتله وإزالته ولو بعد عقود. فالشعب الفلسطيني أثبت قدرته على القتال والمقاومة والتشبّث بالأرض من البحر إلى النهر مسقطاً كل المشاريع المستندة إلى الأساطير التوراتية وذلك مهما قست عمليات الإقتلاع والتهجير ومهما توسّعت حركة الإستيطان في مستعمرات الضفّة فالديموغرافيا الفلسطينية هي السلاح الأمضى والأقوى لمقاومة المستعمرات اليهودية.  

حركة التطوّر السكّاني الفلسطيني المتزايد على حساب تآكل حركة الاستيطان اليهودي التي تشهد هجرة معاكسة نعزوها إلى صمود غزّة  وإلى التغيير الذي أصاب  المعادلات العسكرية والأمنية، لن تتوقّف بدليل أنّها لم تشهد أي نزوح لا في اتّجاه سيناء ولا في اتّجاه الأردن..

الحرب على غزّة رسّخت فكرة الدولة الفلسطينية في أذهان العالم على الرّغم من أنّها ألحقت بالفلسطينيين خسائر فادحة (شهداء، مصابون، معوّقون، مهجّرون، معتقلون، تدمير ممتلكات ومؤسسات وبنى تحتية، خسائر اقتصادية...) وهي بفضل ثبات غزّة ومقاومتها أثّرت سلباً في المجتمع اليهودي فحوّلته إلى مجتمع مرعوب،  والكيان الصهيوني إلى كيان مهتزّ والقرار الحاكم إلى قرار مشتّت وقوّة الرّدع إلى قوّة متآكلة تلجأ إلى الإبادة والتدمير الشامل باستخدامها الأسلحة  المحظورة عالمياً تعويضاً عمّا أصابها من خسارة قيادات ميدانية  وجنود وأهداف.

موضوعات ذات صلة