الإثنين ٠٦ / أكتوبر / ٢٠٢٥
من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية

أخبار عاجلة

طوفان الأقصى ينتقل بشكلٍ مُتسارعٍ إلى الضفّة.. ويعدّ استقبالًا حارًّا لترامب وصفقة قرنه.. وضربات مُوجعة بل قاتلة لنتنياهو.. إليكُم التفاصيل

جرائم الإبادة من غزّة إلى الضفّة تداعيات في الغرب ومواجهة

 جرائم الإبادة من غزّة إلى الضفّة تداعيات في الغرب ومواجهة

 جرائم الإبادة من غزّة إلى الضفّة تداعيات في الغرب ومواجهة

د. ساسين عساف 

المحرقة النازية تتجدّد على يد ضحاياها.. فالنازيون الجدد  لم يسوقوا  أبناء غزّة والضفّة إلى غرف الغاز بل جاؤوا بها إليهم  بقنابل تفتك بالأجساد بما لا يقل عن تلك الغرف. ولكن  سيطرة الإرهاب الفكري الصهيوني على وسائل الإعلام والتواصل تقلّل من فظاعة الجرائم المرتكبة لا بل تسعى إلى طمسها.

هذه الجرائم هي سلوك طبيعي عند الصهاينة منذ أن ارتكبتها عصابات الهاغانا وشتيرن وهي التي سهّلت على الصهاينة إنشاء الكيان وهي في اعتقادهم اليوم أنّها تسهّل استمراره غاصباً لأرض فلسطين..  

اليهود تعرضوا لمجزرة على يد النازيين وهي جريمة من جرائم الإبادة الجماعية. ولكن الصهاينة امتهنوا استغلالها سياسياً ومالياً لحساب الكيان الغاصب.. وبعد أنّ توافرت لهم المكنة لقيامه وضمان  دولي لشرعيّة وجوده ضاعفوا من جرائم القتل والتهجير  التي لا خلاف في النظرة إليها بين مثيلاتها من الجرائم  السابقة.

جريمة الإبادة الجماعية هي مسار في تاريخ الصهاينة المفعم بالأساطير  التي تحلّل فعل الإبادة..

فعل الإبادة هذا حوّلته الأسطورة إلى "فعل مقدّس"!! من جريمة مدانة في القانون إلى "عمل خلاصي" يلبّي إرادة إله خاص لشعب مختار، من سرديّة تاريخية لا صدقيّة علميّة لها إلى حدث دمويّ يوميّ لا يطاله قانون دولي ولا ينفذ إليه ضمير إنساني. وإذا قيّض لفعل الإبادة أن يواجه قانوناً ساندته المنظمات الصهيونية العالميّة بحملة عنيفة وأثارت في وجه القانون عاصفة عدائية وموجة افتراءات واسعة ومشينة في الأوساط السياسية والإعلامية متهمة من ينادي بتطبيقه باللَاسامية، لأنه تجرأ ووقف إلى جانب الحقّ  إحتراماً للحقيقة وإحقاقا له.

محاكمة جرائم الإبادة التي يرتكبها الصهاينة في غزّة والضاحية والضفّة  أمام القضاء الدولي هو أمر مستحيل  لأنّ الولايات المتّحدة الأميركية هي فعلاً  من يغطّي تلك الجرائم لا بل يشجّع عليها ويوفّر لها وسائل ارتكابها..

هذا لا يعني أن القضاء الدولي هو قضاء متصهين وأنّ الرأي العام العالمي هو مؤيّد لجرائم الإبادة وإذا كان ثمّة من لم يبدّل موقفه من الصهيونية أو رأيه فيها وفي مدى تأثيرها في الرأي العام الغربي فهذا يعني أن نظام الحريات والديموقراطية في الغرب هو في مأزق حقيقي، في أزمة مع الفكر النقدي الذي يتجرأ على دوائر "الحقائق الصهيونية المغلقة" بهدف إعادة  التفكير فيها..

وهو يعني، تالياً، أن الذاكرة الأوروبية لم تبرأ من عقدة الشعور بالذنب إزاء المحرقة اليهودية. فالمحرقة لا زالت قادرة على التحكّم بها وتحريكها لصالح السياسات الصهيونية.

وهو يعني ،كذلك ، أن الصهيونية العالمية ليست وهماً في أذهان العرب وأعدائها مناصري فلسطين، إنما هي حقيقة لها مؤسسات واستراتيجيات عمل ومراكز تخطيط وتمويل وآليات تنفيذ، وهي حركة ناشطة في دوائر القرار الدولي ولها تأثيرها المباشر عليه عبر وسيلتي المال والإعلام.. والإغراء!

المواجهة الحقيقية هي اليوم بين رأي عام غربي متحرّر "حديث" (أطلّ بقوّة بعد أن بلغت جرائم الإبادة في فلسطين حدّها الأقصى) له أوساطه بين الطلاّب والشباب وحركات اليسار وأساتذة الجامعات وبين صهيونية طقوسية شعائرية فرضت أحكامها ودوغمائياتها وأساطيرها على الفكر الغربي على امتداد قرن بكامله..

وهي بين ليبرالية فكرية نقدية تسعى إلى إعادة تكوين الحقائق التاريخية بمنهجية علمية وعقلانية موضوعية بغية تحرير المستقبل الأوروبي وربما العالمي من دائرة الاستلاب الصهيوني وفتحه على فكرة العدالة والمساواة بين الشعوب وحقوقها في تقرير مصيرها وفي مقدمّها حقوق الشعب الفلسطيني لأنّه من أكثر شعوب الأرض مظلوميّة إذ يعاني من عنصرية صهيونية سلبت حقوقه، ومذ تمكنت من ذلك وهي تعمل على إفنائه ومحوه من خارطة شعوب العالم الجغرافية والتاريخية والبشرية

في التظاهرات التي عمّت العالم تأييداً لنضال الشعب الفلسطيني وتنديداً بجرائم موصوفة، جرائم حرب وضدّ الإنسانية، يرتكبها الصهاينة،  نقرأ صرخة الشعوب الحرّة لنصرة قيم الحق والعدالة والتخلص من عنصريّة لم يبق لها مكان في هذا العالم سوى في فلسطين المحتلّة.. (وفي عقول وسياسات عدد غير قليل من حكومات هذا العالم المؤيّدة أو الساكتة عن جرائم ضد الإنسانية ترتكبها حكومة الكيان الصهيوني العنصري!)

المواجهة، إذاً، هي بين من يريد أن يكون لأوروبا والعالم معنى خارج دائرة النفوذ الصهيوني وبين من يريد إبقاء أوروبا والعالم تحت السيطرة.. وقضيّة الشعب الفلسطيني هي محور المواجهة..

ما يسمّى بالمؤرخين اليهود الجدد قاموا بمراجعات نقدية لتاريخ اليهود في فلسطين، القديم والمعاصر، وثمّة جماعات يهودية أميركية وإسرائيلية ناشطة ضغطت بقوّة لتشكيل موقف أميركي/إسرائيلي مناهض لسياسة الصهاينة و الجماعات اليهودية الدينية المتطرفة. وهي مراجعات ومواقف لا تقلّ خطورة على الأدبيات والمواقف الصهيونية من مواقف ومراجعات قام بها المفكّر الفرنسي روجيه غارودي.. وهي مراجعات تصدّى لها الصهاينة  في فرنسا وتغلّبوا على غارودي ونصيره الأب بيار، هذا صحيح،

ولكن،

المواجهة هي اليوم على مساحة أوروبا والغرب عموماً وهي تأخذ بعداً ثقافياً وسياسياً وشعبياً  أوسع وأعمق .. لماذا ؟..

أوروبا  عموماً هي أم التحولات الكبرى في التاريخ الديني والسياسي والثقافي. هي التي أنتجت فلسفة استعمار العالم بأسره، وأنتجت كل الأصوليات السياسية كالرأسمالية المتوحشة والنازية الفاشية وكل الأصوليات السياسية/الدينية كالأصولية الصهيونية التي تجد في  أوروبا أصلها الثابت والمتفرع في غير قارة وتجد، تالياً، أن المواجهة المصيرية مع الأعداء هي في مكان الأصل وليست في مكان الفرع، في أرض التحول وليست في أرض  امتداداته.        

أوروبا المتحررة من سيطرة الأساطير الصهيونية  نرى أنّها قادرة على إحداث تحول تاريخي كبير في مستوى الأفكار والعقائد والمصالح التي تبنى عليها استراتيجيات الدول، وفي هذا انتكاسة قاتلة للمشروع الصهيوني الذي يسعى في كلّ لحظة وحدث إلى أن يقدم نفسه الوجه الآخر للمشروع الأوروبي، والى أن يماهي بين الصهيونية والغرب.

المواجهة، إذاً، وقعت في الغرب  لأن فكراً نقدياً في أوساطه الجامعية والثقافية والدينية والسياسية جاهر بضرورة تحرير العقل الغربي من سيطرة اللاهوت الأسطوري الصهيوني.

هذا التوجه الثقافي/السياسي الذي رسمه روجيه غارودي في العديد من كتاباته الفكرية خصوصاً في كتبه الثلاثة التي تحمل العناوين الآتية: "الأصوليات المعاصرة، أسبابها ومظاهرها"، "نحو حرب دينية، جدل العصر" ، "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية"، وجدت فيه الصهيونية العالمية مشروعاً إنسانياً متحرراً من إرهابها الفكري وقادراً على قيادة العالم في اتجاه رؤيا كونية تاريخية جديدة أساسها الانفتاح على الآخر والحوار معه، وهدفها اكتشاف معنى جديد للحياة يرفض ينبذ التعصب ويكافح ضد عبودية الإنسان واستلاب إرادته،

ووجدت فيه، تالياً، الخطر الأكبر على ثقافتها ورؤياها في السيطرة والتدمير ومحو الآخر وحقّها في امتلاك الحقائق المطلقة بعصبية وتصلب وصلف رباني لا يقبل نقداً أو مساءلة أو اجتهاداً يأتي من باحث عن حقيقة أو من مناصر لحق.

لقد استشعرت الصهيونية في رؤيا غارودي ونقده ومساءلاته واجتهاده بداية اهتزاز كبير في نظام معرفي ركزته على امتداد قرن وعبره تمكنت من بسط سيطرتها الثقافية والسياسية والمالية والإعلامية على الغرب الأوروبي والأميركي. فأعلنت حربها على صاحب الرؤيا واقتادته إلى قفص الاتهام أمام المحاكم الفرنسية حيث المحاكمة في أعمق معانيها الثقافية والسياسية تجاوزت حكم القضاء الفرنسي بالتجريم أو التبرئة إلى مواجهة تاريخية مفتوحة بين الصهيونية وأعدائها.و

وها اليوم تتجدّد هذه المواجهة في العالم كلّه لوقف جرائم الإبادة والإقتلاع والتهجير التي يرتكبها الصهاينة في غزّة إنتقالاً إلى الضفّة وكلّ فلسطين لا بل إلى كلّ أرض فيها فلسطيني واحد لا يلقي بندقية ولا يتنازل عن حقّ..

موضوعات ذات صلة