الإثنين ٠٦ / أكتوبر / ٢٠٢٥
من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية

أخبار عاجلة

طوفان الأقصى ينتقل بشكلٍ مُتسارعٍ إلى الضفّة.. ويعدّ استقبالًا حارًّا لترامب وصفقة قرنه.. وضربات مُوجعة بل قاتلة لنتنياهو.. إليكُم التفاصيل

على خلفية شماتة بعض المتصهينين في المقاومة.. تحرير الأنفس أصعب من تحرير الأوطان!

على خلفية شماتة بعض المتصهينين في المقاومة.. تحرير الأنفس أصعب من تحرير الأوطان!

على خلفية شماتة بعض المتصهينين في المقاومة.. تحرير الأنفس أصعب من تحرير الأوطان!

د. طارق ليساوي -  كاتب و أستاذ جامعي

حاولت في مقال ” تفجيرات البيجرات و جينات التصهين” تحليل أبعاد و دوافع شماتة بعض المتصهينين من بني جلدتنا، وفرحهم وسرورهم بتفجيرات البيجرات والهجمات العدوانية التي يتعرض لها لبنان عامة وحزب الله و المقاومة خاصة، وأن هذا الاندفاع المرضي والسلوك الشاذ و المنحرف، يعبر في جوهره عن إنحراف أخلاقي وسلوكي و خلل في التربية و التعليم والتدين، لذلك أشرت إلى أن الخروج من دورة الانحطاط و التيه لا يمكن أن يتم بدون تعليم نافع وبدون صحة سليمة وقيم أخلاقية سامقة وسليمة، وكما يقال ”العقل السليم في الجسم السليم” ونضيف ”في الوطن السليم”، السليم من الفساد والاختلالات والاختلاسات وهذر الموارد المادية واللامادية، السليم من “البارونات” ومن تحكم أصحاب ”الشكارة”، السليم من علة زواج المال بالسلطة، والسليم من داء تهميش واحتقار العلم و العلماء..

حياة الماعز:

فغريب أن نجد بعض الشامتين عاجزين عن الدفاع عن حقوقهم الأساسية و الطبيعة، من صحة و تعليم و شغل و عيش كريم، في بلدان تم فيها تسليع كل شيء حتى الإنسان أصبح سلعة تباع و تشترى، مجرد رقم لا قيمة له و لا معنى، بلدان و نظم عجزت عن توفير” العلف” لمواطنيها إلى درجة أن أغلب مواطنيها أصبح حلمهم الهروب من الوطن، أما الحرية و الكرامة و معالي الأمور فلاحديث عن هذه القيم في بلدان ” العبودية المختارة”، و لست هنا بوارد تحميل المسؤولية للنظم و النخب الحاكمة فقط، فقد أصبحت أومن بأن الشعوب العربية مشاركة في صناعة واقعها البئيس، و انها مشاركة في جريمة اغتصاب الأوطان و إضاعة المستقبل و تبديد الموارد، و انحراف التنمية و فشل السياسات، و هذا المواطن الذي يعيش حياة الماعز، هو نفسه من تجده يفرح لهزيمة المقاومة و لعدوانية الاحتلال الصهيوني..

شركاء في الانحطاط:

و صدق القول المأثور “كما تكونوا يولى عليكم”، وذات المعنى ورد في قوله تعالى : ( وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )( سورة الأنعام : 129 ) و قد شرح الإمام ابن القيم رحمه الله هذه الأية فقال : (وتأمل حكمته تعالى في أن جعل ملوك العباد وأمراءهم وولاتهم من جنس أعمالهم، بل كأن أعمالهم ظهرت في صور ولاتهم وملوكهم : فإن استقاموا استقامت ملوكهم، وإن عدلوا عدلت عليهم، وإن جاروا جارت ملوكهم وولاتهم، وإن ظهر فيهم المكر والخديعة فولاتهم كذلك، وإن منعوا حقوق الله لديهم وبخلوا بها منعت ملوكهم وولاتهم ما لهم عندهم من الحق وبخلوا بها عليهم، وإن أخذوا ممن يستضعفونه ما لا يستحقونه في معاملتهم أخذت منهم الملوك ما لا يستحقونه وضربت عليهم المكوس والوظائف، وكلما يستخرجونه من الضعيف يستخرجه الملوك منهم بالقوة، فعمّالهم ظهرت في صور أعمالهم . وليس في الحكمة الإلهية أن يولى على الأشرار الفجار إلا من يكون من جنسهم. ولما كان الصدر الأول خيار القرون وأبرها كانت ولاتهم كذلك، فلما شابوا شابت لهم الولاة فحكمة الله تأبى أن يولي علينا في مثل هذه الأزمان مثل معاوية وعمر بن عبد العزيز فضلاً عن مثل أبي بكر وعمر بل ولاتنا على قدرنا وولاة من قبلنا على قدرهم وكل من الأمرين موجب الحكمة و مقتضاها)(مفتاح دار السعادة ج٢ ص١٧٧-١٧٨)..

سيكولوجية الشامتين :

و أحيانا علينا الاعتراف أن بعض العقول لا تفهم الكلام المعقد و المركب، بل لا تملك القدرة و الملكة للقراءة و فهم واقعها أولا و محيطها الإقليمي و الدولي ثانيا، و تبعا لذلك، فإنها توجه سهام النقد و الهجوم و التجريح و القدف باتجاه كل من يرغب في تحريرها و تحسين ظروف عيشها و تكريم أدميتها، و سلوكها يذكرني بالعبارة الشائعة” تود العاهرة لو كل النساء عاهرات” لأن الشرف و الطهر الذي هو القاعدة في النساء و الرجال، يذكر “العاهرة” بنقصها و خبثها و ضعفها و عجزها في إختيار حياة نظيفة و سليمة، بدل الارتماء في أحضان الرذيلة و الخبث..

وقياسا على ذلك، فإن الشامتين في المقاومة اللبنانية و الفلسطينية، يدركون في أعماق ذواتهم أنهم أنذال و أذلاء و ضعفاء، لانهم لا يملكون الشجاعة و القدرة و الإرادة بل و حتى النية، لمناهضة الاحتلال و السعي للتحرر من قبضته، و بدلا من مناهضته و مقاومته فإنهم يسجدون و يركعون له و ينظرون له بإعجاب، و عندما فقدوا القدرة على المواجهة و غلبتهم شقوتهم و جبنوا على أن يكونوا رجالا، وجهوا سمومهم و حقدهم بإتجاه المقاومة التي توجه سلاحها للمحتل و العدو الصهيوني أولا و أخيرا ..

من عبادة فرعون إلى عبادة العجل:

و لعل هذا السلوك المرضي يدفعنا إلى تحليل هذه السيكولوجية التي تقدس المستبد و الطاغية، فالشعوب التي تعاني من القهر و الاستعباد تطبع مع العبودية و الطغيان، و لفهم هذه السيكولوجية لنتأمل قصة بني إسرائيل في القرآن الكريم، فبالرغم من تحرر  بنو إسرائيل من بطش فرعون وجنوده وما سامهم به من العذاب المهين: ( وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ) (البقرة 49)..و بعد أن أنجاهم الله تعالى من هذا العذاب و البلاء العظيم من دون جهد منهم أو عناء، فأغرق فرعون وهامان وخسف الأرض بقارون، وابتعث أمة بني إسرائيل من جديد وأكرمهم بالمن والسلوى، لكن هل انتهت قصة الاستعباد في بني إسرائيل؟! بل على العكس ازدادوا ذلة و استعبادا، فاستبدلوا فرعون و زبانيته بعجل السامري و انتقلوا من عبادة البشر إلى عبادة العجل قال تعالى : ( ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ)(البقرة 92) ..

تحرير الأنفس أصعب من تحرير الأوطان:

 فالنفوس التي ألفت الخضوع و ذاقت طعم القهر و الذل، حتى إذا وجدت من يحررها، فإنها سرعان ما تصنع لنفسها معبودا وطاغية جديدا لإشباع حاجتها من الاستعباد والدونية المتمكنة من نفسيتها، و ما يحدث في غزة و لبنان من تضحيات جسيمة دليل على أن تحرير النفوس أخطر و أصعب من تحرير التراب و الحجر، فالمقاومة المسلحة لابد لها من شعب و بيئة حاضنة تحميها من غدر الحاقدين و تغديها بالرجال و الأموال، فحماس و غيرها من حركات المقاومة نتاج لبيئة مقاومة و شعب تواق للحرية و الكرامة، فتحرير الأنفس والعقول أصعب من تحرير الأوطان، وإرساء قيم الحرية و الكرامة عنصر أساسي و جوهري في تحقيق الاستقلال السياسي و إقامة نظم الحكم الرشيد و التأسيس لمجتمع النهوض و الصعود الحضاري و الإنساني..

تراجيديا سوداء :

و لأقرب للقارئ المشهد و -تحديدا القارئ السطحي- الذي ينتمي إلى فئة “الشامتين” سأحيله إلى مسرحية ” الزعيم” للفنان المصري عادل إمام  فهذه المسرحية الهزلية مزجت بين الكوميديا و التراجيديا، و تعد بحق أفضل تأريخ فني و سياسي لواقع الفساد السياسي و الإستبداد و التجهيل و التفقير و الاستحمار و التضبيع و “البكرنة” لعموم الشعوب العربية…و مما جاء في المسرحية أن الشعب ينبغي أن يكون فقيرا لتسهل السيطرة عليه و التحكم فيه، و المسرحية لم تجانب الصواب و لم تبتعد كثيرا عن الواقع، فالفقر و الجهل يستوطن و يتوسع بكثافة في ظل الأنظمة الغير ديموقراطية..

لكل فرعون موسى:

و إذا عدنا للاستحقاقات الانتخابية و “حياة الماعز” التي شهدتها البلدان العربية طيلة العقود الأخيرة، سنفهم دور الفقر و الجهل في صعود زعامات وهمية، مكانها الطبيعي هو السجن أو المشانق، لانها متورطة في قضايا الفساد و الخيانة الوطنية و الإثراء غير المشروع.. و في تبني سياسات عمومية لا غاية لها إلا تأبيد “حياة الماعز” و العبودية الطوعية و خدمة “فراعنة العصر” و هؤلاء الفراعنة هم “الصهاينة” أرباب المال و الذهب و أسياد المكر و الدجل، المتحكمين في البيت الأبيض و أغلب الحكومات الغربية، فالبيت الأبيض و الإليزيه و داوننغ ستريت، هم المتحكمين في اغلب نظم “سايكس – بيكو”، التي لا تستطيع شراء طائرة أو رصاصة إلا بإذن هؤلاء السادة، لكن ” موسى”  فراعنة العصر وحلفائهم، هم رجال المقاومة و جند الله و أصحاب الكلمة الفصل في تقرير مصير أوطانهم و في تحرير الإنسانية من عبودية عجل السامري و رسم ملامح نظام عالمي جديد يعيد للإنسان حريته و كرامته المغتصبة… و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون..


موضوعات ذات صلة