
المؤتمر العربي العام يحيي شهداء الأمّة والمقاومة ويصدر
.webp )
المؤتمر العربي العام يحيي شهداء الأمّة والمقاومة ويصدر "نقدير موقف" حول الأوضاع الراهنة
إعداد د. زياد حافظ
عقدت لجنة
المتابعة في المؤتمر العربي العام الذي يضم (المؤتمر القومي العربي والمؤتمر
القومي – الإسلامي، والمؤتمر العام للأحزاب العربية، ومؤسسة القدس الدولية،
والجبهة العربية التقدمية)، اجتماعها الدوري الإفتراضي الأسبوعي برئاسة المنسق
العام للمؤتمر القومي – الإسلامي أ. خالد السفياني (المغرب) الذي افتتح الاجتماع
بالترحم على شهداء المقاومة والأمّة في فلسطين ولبنان وفي مقدمتهم أمين عام حزب
الله القائد والشهيد السيد حسن نصر الله، (أحد مؤسسي المؤتمر القومي – الإسلامي،
والمؤتمر العربي العام) وإخوانه، والمجاهد الكبير القائد رئيس المكتب السياسي
لحركة المقاومة الإسلامية الحاج الشهيد إسماعيل هنية (الشريك عبر حركة حماس في
المؤتمر القومي – الإسلامي وفي المؤتمر القومي العربي، والمؤتمر العام للأحزاب
العربية، ومؤسسة القدس الدولية والمؤتمر العربي العام)، وعدد من قياديي الجبهة
الشعبية لتحرير فلسطين (المنظمة المشاركة في تأسيس العديد من المؤتمرات التي تشكّل
المؤتمر العام).
السفياني دعا
إلى موقف عربي وإسلامي ودولي مساند للأمّة العربية والإسلامية ومقاومتها، والساعي
إلى إحكام العزلة الدولية على الكيان الإرهابي الذي يرتكب المجازر غير المسبوقة في
غزّة وعموم فلسطين، وفي مختلف المناطق اللبنانية، وفي سورية والعراق واليمن
والجمهورية الإسلامية في إيران.
بعد ذلك ناقش
المجتمعون الأوضاع الراهنة في الإقليم والعالم وتوصلوا إلى "تقدير موقف"
أعده ورقته الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي الدكتور زياد حافظ، وهذا
نصها:
تسارع الاحداث
على الصعيد الميداني في كل من فلسطين ولبنان وجبهات المساندة في سورية والعراق
واليمن تستوجب التوقّف حول مسار الأمور. فالمواجهة دخلت مرحلة جديدة حيث أصبحت
جبهة لبنان جبهة أساسية في مرحلة الحرب ضد التحالف الصهيواميركي. لذلك تلاشت حقبة
التسويات السياسية بعد أن تبيّنت عدم جدّية المحور الأميركي الصهيوني في الوصول
إلى وقف النار فما البال عن تسوية سياسية! فإن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس
إسماعيل هنية الذي كان يقود المفاوضات غير المباشرة مع الكيان واغتيال السيد حسن
نصر الله الذي وافق على مشروع وقف إطلاق النار خير الدلائل على ذلك. والولايات
المتحدة تريد الحرب فأصبحت الحرب في فلسطين ولبنان والمنطقة حربا أميركية. فالمحور
الأميركي الصهيوني لا يريد التسوية وغير قادر على إقامتها حتى لو توفّرت الرغبة
لأن التسوية تفرض تنازلات في المصالح بينما يُطلب بالمقابل تنازلات في مقوّمات
الوجود الفلسطيني لذلك أصبحت فالمقايضة مستحيلة. ورغم اعلان الكيان أن الحرب حرب
وجودية إلاّ أن المصالح هي التي تطغى على سلوك الولايات المتحدة بينما محور
المقاومة يعتبر أن الحرب هي حرب في سبيل قضية وليست لمصالح. فصراع الارادات هو صراع بين المصالح في الضفة
الصهيونية الأميركية وإن كان طابعها وجوديا بالنسبة للكيان وبين القضية والقيم في
ضفة محور المقاومة وطابعها وجودي ليس فقط للفلسطينيين بل للعرب في غرب آسيا بعد أن
عرض نتنياهو خارطة لغرب آسيا يحكمها الكيان.
فالكلمة أصبحت الان للميدان. فماذا يحصل على الجبهات وما هي آفاق الحرب؟
أولاً- جبهة
المساندة في لبنان
إن استهداف
القيادات في محور المقاومة سواء في فلسطين أو لبنان أو الجمهورية الإسلامية في
إيران هو تعبير عن قراءة غربية مستشرقة خاطئة للعقل العربي المقاوم كما هو تعبير
عن يأس في تعديل المعادلات في موازين القوّة وخاصة في الميدان العسكري.
ففيما يتعلّق
بالقراءة الاستشراقية فهي تعبير عن عنصرية تجاه العقل العربي والذهنية العربية حيث
الاعتقاد في الغرب هو أن العرب والمسلمين عاجزون عن إقامة مؤسسات فعلية خارج دور
القائد. فاستهداف القائد يعني أنهاء التنظيم. لكن الوقائع على الأرض دلّت على
استمرار المؤسسة المقاومة بفعّالية وبقوّة أكبر حتى بعد استشهاد الأمين العام لحزب
الله السيد حسن نصر الله وبعد استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الأستاذ
إسماعيل هنية.
وفيما يتعلّق
بالتعبير عن اليأس الغربي والصهيوني في تغيير المعادلات فإذا كان استهداف القيادة
يغيّر شيئا في المعادلات الميداني فلماذا انتظر حوالي السنة للإقدام على ذلك؟ أليس
الانتصار السريع والمدوي هو ركيزة المشروع الصهيواميركي عبر استراتيجية الصدمة
والترويع؟
وعلى صعيد آخر
فإن المعادلات الميدانية لم تتغير فحسب بل تسير وفقا لأهداف محور المقاومة. فالحرب
الثنائية التي يشنهّا الكيان الصهيوني على لبنان، أي الحرب الجوّية وقصف المدنيين
والمرافق الاجتماعية والحرب البرّية التي يحاول يائسا أن يخوضها في جنوب لبنان
أوصلت الكيان إلى مأزق استراتيجي. فهناك ثلاثة احتمالات جميعها تعني الهزيمة
الاستراتيجية للكيان ومعه للولايات المتحدة والغرب الإجمالي.
فالاحتمال الأول
هو الدخول إلى لبنان (وليس اجتياحا كما تردّده وسائل الاعلام للأسف! الاجتياح يعني
عدم وجود مقاومة بينما واجه الكيان مقاومة شرسة في صيف 1982). فالاحتلال الصهيوني
افرز مقاومة أكثر فعّالية يواجهها الكيان اليوم.
وبعد تجربة حرب تموز 2006 أصبحت المحاولة إلى لبنان أكثر صعوبة بسبب تزايد
القوّة العسكرية في الأداء والعتاد لدى المقاومة وبسبب الاستنزاف الذي أصاب الجسم
العسكري للكيان الصهيوني في عدوانه على غزّة.
فهناك اجماع في الغرب وفي المنصّات المناصرة للكيان وفي الكيان نفسه أن هذه
الخطوة ستكون كارثية على الصعيد العسكري في الإداء والعتاد وقد تؤدّي إلى انهيار
الكيان.
الاحتمال الثاني
هو البقاء على المشاغلة عبر الحدود لاستنزاف قدرات المقاومة. غير أن الاستنزاف هو
الاستراتيجية المعتمدة لمحور المقاومة أي تسجيل الإنجازات المتراكمة والربح
بالنقاط وليس بالضربة القاضية.
الاستراتيجية المعتمدة هي خنق الكيان على كافة الأصعدة والتسبّب في تصدّعات
استراتيجية في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ستؤدّي إلى انهيار
الكيان.
الاحتمال الثالث
هو أيقاف العدوان على لبنان برّا وجوّا وهذا إقرار بالهزيمة الاستراتيجية عبر
الإخفاق في تحقيق أي من الأهداف المعلنة وغير المعلنة.
أما ما نشهده
اليوم فهو مبادرة المقاومة في لبنان في تكثيف الضربات الصاروخية في عمق الكيان
واستهداف المرافق العسكرية والأمنية. أما على الحدود فالمقاومة تتصدّى بنجاح ملفت
لمحاولات العدو في التوغّل في الأراضي اللبنانية كما تستهدف تجمّعات العدو عبر
الحدود. لكن حتى الساعة لم تستهدف
المقاومة المجتمع الاستيطاني والمنشآت المدنية وذلك وفقا لاستراتيجية محكمة تهدف
إلى استنزاف العدو. ولكن قد تتغيّر المعادلة إذا ما تتطلّب الامر ذلك. هذا الاستنزاف يترجم بالأرقام. فوفقا لإحصاءات
صادرة عن العدو فإن كلفة الحرب في فلسطين تجاوزت 66 مليار دولار ما يوازي 12
بالمائة من الناتج القومي. فهو يستطيع الكيان الاستمرار على تلك الوتيرة دون
الوصول إلى الانهيار الكامل؟
ثالثا-جبهات
المساندة في اليمن والعراق وسورية
إذا كان لبنان
جبهة مساندة لغزّة وفلسطين وتحوّل اليوم إلى جبهة رئيسية فإن الجبهات الأخرى في
اليمن وسورية والعراق جبهات مساندة تستهدف كل من الكيان والمصالح الأميركية في
الإقليم وإن كانت بوتائر مختلفة ومتباينة. فوحدة الساحات تحقّقت قوميا وعسكريا
وسياسيا قد تكون لها انعكاسات مستقبلية على طبيعة النظام الرسمي العربي في المرحلة
التي ستلي الحرب على فلسطين وفي فلسطين. محاولات الولايات المتحدة لردع اليمن في
البحر الأحمر ولردع المقاومة الشعبية في كل من العراق وسورية لم تفلح ولن تفلح حتى
مع وجود القواعد العسكرية في بيئات معادية التي تزداد عداء يوما بعد يوم فلن تسمح
لها بردع الاندفاع المقاوم في كل من سورية والعراق وحتى أيران.
وما نشهده في
هذه الأيام تعاظم الضربات الموجّهة للتواجد العسكري الأميركي في العراق وسورية
بالتوازي مع تكثيف الاستهداف لمواقع متعددة للعدو في فلسطين المحتلة. فالمحور
الصهيواميركي يواجه جبهات متعدّدة في الإقليم وفي فلسطين المحتلة دون أن يستطيع أن
يؤثّر في قوانين الاشتباك ولا في استعادة أي نوع من مبادرة عسكرية رغم عدم التكافؤ
في القدرات النارية بين المحور الصهيواميركي ومحور المقاومة. البديل للعمل العسكري
الصهيواميركي هو إما اللجوء إلى السلاح غير التقليدي، أي سلاح الدمار الشامل ولذلك
عواقب وخيمة كونية، وإما اللجوء إلى الإرهاب. هذا هو معنى استهداف القيادات
والمدنيين.
رابعا-جبهة غزة
والضفة الغربية وفلسطين المحتلّة
الجبهة الأولى
والاساسية هي جبهة فلسطين سواء في غزة أو الضفة الغربية أو سائر فلسطين
المحتلّة. لم يستطع العدو حتى الساعة وبعد
مرور سنة من القصف الوحشي لغزة وقمع التحرّك الشعبي في الضفة أن يخمد نار
المقاومة. فما زالت غزة مصدر قصف صاروخي على مواقع الاحتلال في العمق وما زالت
المواجهة من مسافة صفر مع العدو تكبّده خسائر في الأرواح والعتاد. ورغم كل ادعاءات
العدو حول تدمير القدرات العسكرية في العداد والعتاد للمقاومة فإن الأخيرة ما زالت
تمسك بزمام المبادرة رغم كثافة القصف وفداحة الخسائر المدنية.
أما في الضفة
الغربية فيتم استنزاف قدرات جيش العدو في عمليات أمنية التي لم تمنع تصاعد
المواجهات العسكرية في مختلف المدن.
وفيما يتعلّق
بالعمق فصواريخ المقاومة من غزة ولبنان والعراق واليمن تستهدف المدن كتل ابيب
وحيفا وصفد وطبريا ومراكز التجمع العسكري للكيان.
خامسا-جبهة
المواجهة مع الجمهورية الإسلامية في إيران
المواجهة
الصهيواميركية مع الجمهورية الإسلامية في إيران هي يقين الهدف الاستراتيجي لذلك
المحور الصهيواميركي الذي يعتقد أنها رأس محور المقاومة وبالتالي يجب القضاء
عليها. كما أن الموقع الاستراتيجي لإيران في آسيا والخليج العربي يجعل هدف السيطرة
عليها ضرورة لتطويق روسيا واحتواء الصين.
لذلك الكلام عن استهداف إيران هو كلام أميركي وإن كان بنبرة عالية من قبل
رئيس وزراء الكيان. فالعقل الذي يدير
الحرب في فلسطين هو نفس العقل الذي يدير المواجهة مع روسيا في شرق أوروبا. لذلك القرار النهائي لاستهداف إيران هو قرار
أميركي.
إلاّ أن موازين
القوّة ليست لصالح التحالف الصهيواميركي. قد يستطيع الحلف توجيه ضربة كبيرة على
أهداف استراتيجية في إيران كمفاعلات النووي أو المنشآت النفطية إلا أنه لا يستطيع
مواجهة الرد الايراني والدخول في مواجهة طويلة المدى بسبب القدرات الإيرانية على
الردّ والتي تجلّت في صليات الصواريخ البالستيية في 14 نيسان/ابريل، والأول من
تشرين الأول/أكتوبر. هذا دفع البنتاغون الأميركي للضغط على البيض الأبيض ليعدل عن
الموافقة على استهداف مرافق استراتيجية في إيران لأن تداعيات تلك العملية ستكون
كارثية على كل من الكيان والمصالح (القواعد العسكرية) الأميركية. وعند اعداد هذا التقرير ما زال الرد
الصهيواميركي على إيران مؤجّلا.
لا يجب أن يغيب
عن البال ان روسيا على وشك توقيع اتفاق استراتيجي مع الجمهورية الإسلامية في إيران
ما يعنى أن أي اعتداء على إيران قد يكون اعتداء على روسيا وهذا ما تأخذه بالحسبان
القيادات في البنتاغون في الولايات المتحدة.
كما لا يجب أن يغيب عن البال أن منظومات الدفاع الجوّية الروسية من طراز أس
اس 400 تشغّلها روسيا ما يعني استهدافها من قبل المحور الصهيواميركي يعني المواجهة
المباشرة مع روسيا وهذا ما لا تستطيع تحمّله الولايات المتحدة في الظروف الراهنة.
لذلك أي استهداف لإيران في الظروف الحالية سيجلب ردّا إيرانيا قاسيا على الكيان
وعلى المصالح الأميركية إن كانت شريكة في العدوان.
سادسا-التحوّلات
الإقليمية والدولية وانعكاسها على الحرب في غرب آسيا
المعادلات
الميدانية التي تفرضها المقاومة في غرب آسيا تتلازم مع تحوّلات جيوسياسية مؤثّرة
على مسار الأمور في الإقليم وعلى الصعيد الدولي.
1- روسيا
روسيا أصبحت
طرفا مباشرا في الحرب في غرب آسيا عبر تموضع منظومات دفاعية جوّية متطوّرة تشغّلها
كوادر روسية. كما أنه سيتم توقيع اتقاف تعاون/تحالف استراتيجي مع إيران في الزيارة
المقبلة إلى موسكو هذا الشهر للرئيس الإيراني. من جهة أخرى جرى تسريب الاخبار من
الكرملين بأن الرئيس الروسي رفض مكالمة نتنياهو له دلائل حول طبيعة العلاقة
المتوتّرة جدّا مع رئيس حكومة الكيان. فلا يجب أن يغيب عن البال ان في الكيان
حوالي 2،5 مليون يحملون الجنسية الروسية وأن من بينهم مجموعات كبيرة من
الاوليغارشية الروسية اليهودية التي لها نفوذ في موسكو كما في تل ابيب. فهذه عوامل
ضغط قد تردع الكيان عن ارتكاب حماقات إضافية في الإقليم.
من جهة أخرى
ستُعقد في 30 تشين الأول/أكتوبر من هذه السنة قمة البريكس في مدينة قازان الروسية.
وقد تكون هذه القمة تاريخية بمعنى أن القرارات التي ستعلن قد تكون تكريسا
للتحوّلات في العالم على الصعيد الاقتصادي والمالي. فالقرارات المتعلّقة حول
الإجراءات التنفيذية لإطلاق منظومة مدفوعات مالية دولية خارجة عن سيطرة الدولار قد
تكون ضربة قاسمة لهيمنة الدولار في العالم وبالتالي على قدرة الولايات المتحدة
تمويل حروبها الدائمة على الدول التي لا تريد الانصياع إلى املاءاتها.
من جهة أخرى فإن
مسار الحرب في أوكرانيا وصل إلى مرحلة انهيار القوّات الأوكرانية بعد التقدّم
الكبير نحو نهر الدنيبر ما يعني نهاية المشروع الأميركي والاطلسي في أوكرانيا.
وهذا التقدّم تلازم مع الإنذار الروسي للولايات المتحدة ودول الأطلسي أن استهداف
العمق الروسي بالصواريخ الاطلسين يعنى الحرب المفتوحة مع روسيا. كما أوضح الإنذار
الروسي أن الولايات المتحدة لن تكون بمنأى عن الحرب في الجغرافية الأميركية ما جعل
قيادات البنتاغون تأخذ بجدّية الإنذار. هذه التحوّلات تظهر عجز الولايات المتحدة
والاطلسي على الحسم أو التفوّق على روسيا عسكريا. الانعكاسات على مسار الحرب في
غرب آسيا ستكون مباشرة حيث التهديدات الصهيواميركية ستُقابل بجدّية وحزم لا يستطيع
تحمّلها المحور الصهيواميركي بغض النظر عن التصريحات العنترية للكيان وبعض
المسؤولين الاميركيين.
2- تركيا وأذربيجان
التحوّلات في
الإقليم لا تقلّ أهمية عما يحصل في الميدان في غرب آسيا. فكل من تركيا وأذربيجان
تريدان الانضمام إلى مجموعة البريكس. والدولتان محسوبتان على الأطلسي وتقيمان
علاقات وثيقة مع الكيان. والجدير بالذكر أن أذربيجان هي المورّد الرئيسي بالنفط
للكيان عبر تركيا بعد انقطاع النفط عبر البحر الأحمر. والانضمام إلى مجموعة
البريكس لا يحظى على رضى الولايات المتحدة ما يعني أن الضغوط على أذربيجان وتركيا
لإيقاف توريد النفط للكيان أصبح أمرا مطروحا ما سيؤدي إلى الشلل الكامل في
الاقتصاد الصهيوني. واهمية أذربيجان تكمن
أنها دولة على حدود كل من روسيا وإيران أي أنها دولة مفصلية في الممرّ الاستراتيجي
بين روسيا وإيران للوصول إلى الخليج والمحيط الهندي. كل ذلك يعني أن الولايات
المتحدة والكيان يفقدان أوراقا استراتيجية في الإقليم ما يعني أن استمرار الحرب لن
تكون في مصلحتهما.
3- الموقف الأوروبي
تداعيات فشل
المشروع الأطلسي في أوكرانيا أصبحت واضحة في الدول الأوروبية التي أدّت إلى تراجع
اقتصادي أكبر من انكماش ظرفي بل ربما الدخول في حالة كساد كبيرة لها تداعيات وخيمة
على تماسك الاتحاد الأوروبي كمنظومة وعلى الدول المؤثرة في تلك المنظومة. كما أن
جرائم الكيان في فلسطين خلقت المزيد من النقمة على النخب الحاكمة فيما يتعلّق
بدعمها للكيان. الانتخابات التي جرت في فرنسا تدلّ على المأزق السياسي البنيوي في
فرنسا. والانتخابات الفرعية في ألمانيا تنذر بسقوط التحالف القائم في الانتخابات
العامة المرتقبة في مطلع السنة القادمة. أما الانتخابات الأخيرة في المملكة
المتحدة فإن الأكثرية التي حصل عليها حزب العمال المتماهي كلّيا مع المشروع
الأطلسي في كل من أوكرانيا وغرب آسيا تواجه تراجعا ملحوظا في الرأي العام
البريطاني وقد تؤدّي إلى سقوط الحكومة أو رئيسها وربما الدعوة إلى انتخابات مبكرة.
4- الولايات المتحدة
الولايات
المتحدة هي الطرف الرئيسي في الحرب التي يشنّها الكيان الصهيوني على غزّة ولبنان
وسورية العراق واليمن وإيران. الرغبة الأميركية المزمنة في السيطرة على المنطقة لم
تتغيّر بل ما تغيّر هو القدرات على تحقيق ذلك.
ما يهمّنا هنا هو ما يمكن أن تقدم عليه الولايات المتحدة في المدى المنظور
وفي الظروف الداخلية الصعبة.
الخيارات محدودة
للغاية بعد الإخفاق الكبير لقوّات الاحتلال في فلسطين وفي ظروف سياسية واقتصادية
داخلية في الولايات المتحدة لا تسمح بمواجهات عسكرية كبيرة خاصة بعد الإخفاق
المدوي في أوكرانيا وعلى اعقاب الانسحاب المهين من أفغانستان بعد 20 سنة من
الاحتلال. أن أي مواجهة عسكرية أميركية في غرب آسيا تصطدم بواقع عدم الجهوزية
العسكرية الأميركية لمواجهة مستدامة. اخفاق البحرية الأميركية في السيطرة على باب
المندب ومنع اليمن من استهداف السفن المتوجّهة إلى الكيان عبر البحر الأحمر أو
المحيط الهندي يشكّل ضربة قاسمة لهيبة البحرية الأميركية الأداة الأساسية والأهم
للسيطرة على الممراّت البحرية كشرط ضرورة لإسقاط قوّتها على الدول في العالم.
فالعالم يشهد اليوم عجز الولايات المتحدة على عدم قدرة الحاق الهزيمة بدولة لا
تتمتع بنفس القدرات النارية لا من بعيد ولا من قريب مع تلك المتوفّرة للولايات
المتحدة.
الجهوزية
العسكرية الأميركي المضروبة تجلّت أيضا في المنظومة الدفاعية الجوّية كمنظومة
الباتريوت التي لم تستطع رصد ومنع الصواريخ من غزّة ولبنان والعراق واليمن وإيران.
المساحة الجغرافية للمواجهة تفوق 2 مليونين كيلومتر مربّع والقواعد العسكرية
المنتشرة في الخليج أصبحت مكشوفة تجاه القوى الصاروخية التي قد تستهدفها في حال
اندلاع مواجهة عسكرية شاملة في المنطقة. من الواضح أن المناخ السياسي القائم في
الولايات المتحدة لا يسمح على عتبة الانتخابات اتخاذ قرارات كبيرة عسكرية خاصة أن
المزاج الشعبي الأميركي يرفض الحروب الجديدة.
الاعصار الذي عصف بعدد من الولايات في الجنوب الأميركي سبب خسائر فادحة في
الأرواح والممتلكات عجزت الإدارة الحالية عن مواجهتها والتعويض عن الخسائر. إلاّ
أن الإدارة أقرّت بسرعة مساعدات للكيان بقيمة 24 مليار دولار ولم ترصد أي مبلغ
يذكر للتعويض عن الخسائر من جرّاء الاعصار. فالغضب الشعبي الأميركي ملموس وقد يردع
اتخاذ قرارات الحرب. فهي مرحّلة لما بعد الانتخابات والمرحلة الانتقالية إلاّ أن
مسار الأمور في الميدان قد يخلق وقائع لا تستطيع الولايات المتحدة تغييرها. حتى
الساعة لم تستطع تغيير موازين القوّة وقواعد الاشتباك وانتزاع المبادرة من محور
المقاومة وإذا ما استمرّت الأمور على ما هي عليه فإن فرضية الانهيار الصهيوني تصبح
أكثر من فرضية بل ربما واقعا.
صاحب القرار
المفصلي في الولايات المتحدة هي الدولة العميقة وواجهتها في هذه المرحلة البنتاغون
الذي يعي بشكل واضح عدم جهوزية القوّات المسلّحة في مواجهة محور المقاومة في
الجبهات المتعدّد التي انتقل معظمها من جبهات مساندة لغزّة إلى جبهات رئيسية بعد
استهداف قيادات المقاومة في لبنان. ما يدلّ على دور البنتاغون سلسلة خطوات اتخذها
أفشل توجّهات الإدارة. فالإنذار الروسي
لدول الأطلسي وخاصة الولايات المتحدة بأن استهداف مواقع في العمق الروسي بالصواريخ
البالستيية سيضع روسيا في مواجهة مباشرة مع دول الحلف الأطلسي وأن جغرافيا
الولايات المتحدة لن تكون بمنأى عن العمليات العسكرية. وفي السابق تحايل البنتاغون
على قرار الرئيس ترامب للخروج من سورية وفيما بعد التلويح بمواجهة عسكرية مع الصين
عندما اتصل رئيس هيئة الأركان للقوّات المشتركة بنظيره الصيني لطمأنته عن عدم
الالتزام بالقرار السياسي. للإدارة هامش كبير في تنفيذ السياسات لكن تحت سقف لا
يهدد المصالح الاستراتيجية التي تحدّدها القيادات العسكرية.
البديل عن
السلاح التقليدي لتجاوز العجز في المواجهة العسكرية هو اللجوء إلى سلاح غير تقليدي
ولكن لذلك عواقب وخيمة ليس هناك من استعداد لمواجهة تداعياتها. ما يبقي هو سلاح
الإرهاب والفتنة لإضعاف جبهة محور المقاومة وهذا هو معنى استهداف المدنيين
والمرافق في كل من غزة ولبنان وسورية والعراق واليمن وربما فيما بعد إيران.
5- آفاق الحرب في فلسطين وغرب آسيا
بناء على ما
تقدّم يمكن القول إن آفاق الحرب في غرب آسيا ليست لمصلحة المحور الصهيواميركي بل
لمصلحة المقاومة. فالاحتمالات التي تواجه الكيان جميعها تفضي إلى هزيمة كما ذكرنا
أعلاه والهزيمة ستؤدّي حتما إلى الزوال.
لأول مرّة منذ
نشأة الكيان يواجه الكيان الاستحقاقات الاستراتيجية التي تعكس هشاشته والتي حاول
دائما تجاوزها. فالكيان يفتقد لعمق جغرافي يسمح له بالصمود على مدى طويل في أي
مواجهة. كما أن الهجرة المعاكسة إلى خارج
الكيان تضيف إلى الضعف السكّاني في إمكانية مواجهة شاملة ومستمرة. إضافة إلى ذلك
فإن هجرة السكان يرافقها هجرة الرساميل ما يجعل المستقبل الاقتصادي الصهيوني قاتما.
إضافة إلى ذلك
يواجه الكيان ومعه الولايات المتحدة جبهة متماسكة استطاعت تحقيق وحدة الساحات دون
الوقوع في مركزية قد تشكّل مصدر ضعف بنيوي في إدارة المعركة. كما أن قيادات المحور
برهنت عن قدرة وحكمة في استيعاب استهدافها وفي إدارة المعركة عسكريا وسياسيا لم
تكن موجودة بنفس المستوى في المحطات المختلفة في الصراع مع الكيان الصهيوني.
وتلازما مع
إخفاقات الميدان يواجه الكيان تحوّلات إقليمية ودولية أطاحت بما كان يتمتّع به من
تأييد ودعم خاصة في الدول الغربية كما بينّتها المظاهرات الصاخبة في أوروبا
وأستراليا وخاصة في الولايات المتحدة. ويواجه الآن خطر انقطاع توريد النفط من
أذربيجان إذا ما نجحت الضغوط الروسية والإيرانية على أيقاف التوريد مقابل دخول
أذربيجان وتركيا في منظومة البريكس. فالكيان الصهيوني أصبح خطرا على كل من روسيا
والصين ويهدد مصالحهما في غرب آسيا. كما أن توتّر العلاقات مع روسيا يساهم في
تلاشي الضغط الروسي على مكوّنات محور المقاومة لضبط النفس وإيقاع المواجهات. والانخراط الفعلي الروسي في منظومة الدفاع
الجوّي في إيران قد يكون متغيّرا استراتيجيا يكرّس انكسار ميزان القوّة لصالح محور
المقاومة.
في الخلاصة يمكن
القول إن طوفان الأقصى بدأ كعملية عسكرية بأهداف محدّدة تحوّل بسبب سوء التقدير
عند الكيان والولايات المتحدة لقدرات الكيان على مواجهة محور المقاومة وقدرات محور
المقاومة على مواجهة التحالف الصهيواميركي. فتحوّل "طوفان الأقصى" إلى
حرب تحرير لفلسطين وإن امتنعت قيادات المقاومة عن تحديد سقوف عالية للمواجهة. فبعد
سنة من المواجهات المتواصلة على عدّة جبهات دخلت المنطقة في مرحلة جديدة كما
أعلنها الأمين العام الشهيد حسن نصر الله في إطلالته الأخيرة قبل استشهاده. وهذه
المرحلة هي مرحلة الحرب التي نتيجتها غالب ومغلوب. المنتصر هو محور المقاومة
والمهزوم هو الكيان الصهيوني ومعه الولايات المتحدة. أما نتائج الهزيمة فهذا يخضع لمقاربة خاصة خارج
إطار تقدير الموقف الحالي.