الإثنين ٠٦ / أكتوبر / ٢٠٢٥
من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية

أخبار عاجلة

طوفان الأقصى ينتقل بشكلٍ مُتسارعٍ إلى الضفّة.. ويعدّ استقبالًا حارًّا لترامب وصفقة قرنه.. وضربات مُوجعة بل قاتلة لنتنياهو.. إليكُم التفاصيل

بشارة مرهج، سمعة الوطن جذور الانهيار الاقتصادي

بشارة مرهج، سمعة الوطن جذور الانهيار الاقتصادي

بشارة مرهج، سمعة الوطن جذور الانهيار الاقتصادي

د. جورج كلّاس 

بنمط فكري جريء ومسؤولية وطنية صلبة، أقدم بشارة مرهج، المستحق كل لقب فكري ومقام وطني، على نبش جذور الانهيار الاقتصادي الذي ضرب لبنان، مرسِّماً حدود أكبر فضيحة اختلاسية وجريمة إفلاسية متقنة الإعداد والإخراج والتمثيل والتنفيذ، مبيّناً بمنهجية دقيقة محايل وحبكات المؤامرة المنظمة والمرتبة بإقناعية تضليلية فنية، مفصلاً الركائز التي استند إليها الإقطاع المصرفي، الذي نصّب نفسه سلطة كيانية فوق كل السلطات مستقوياً بإمساكه بمفاصل النظام الاقتصادي، متفلتاً من كل القيود الرقابية والقانونية والأخلاقية، مستبيحاً الحقوق ومستهيناً بكرامات المودعين، الذين تحوّلوا إلى رهائن بالمفرد وضحايا بالجملة وفقراء على القطعة، مستغلاً بإحكام تتالي الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي جرى التخطيط لها لضرب النظام والاقتصاد اللبناني كمدخل لتركيب سيناريوهات تتناسب مع ما يخطط للمنطقة من وضعيات تفتيت وإعادة ترسيم للحدود وتشكيل للأنظمة السياسية على قياس المطلوب صياغته لمستقبل الكيانات بما يخدم مصلحة القوى المكابرة ويمكنها من الإمساك بناصية الجغرافات التي يعمل على إنشائها وإعادة تشكيلها من جديد.

هذه الصورة الظلامية ليست مجرد إرهاصات فكرية سوداء قاتمة وتيئيسية، بقدر ما تعكس واقعاً أليماً يعانيه اللبنانيون بكل فئاتهم وطبقاتهم ومستوياتهم وتنويعاتهم النوعية، التي كانت حصرماً في عيون كل من يرى لبنان كياناً قابلاً للتشظي واستخدام دعائمه لبناء هيكل تركيبي مصطنع يخدم مصالح الآخرين ويستجيب لتخطيطاتهم.

باحترافية تقويمية دالة، عرض بشارة مرهج في إصداره الجديد "جذور الانهيار الاقتصادي في لبنان" مروِّساً العنوان بعبارة دلالية "ما لَمْ ترَ عين"، إشارة إلى وجع القلب المجروح غدراً بسرقة الودائع، وخوفاً من أن ينهار الوطن وتقتلع الثقة به من جذورها.

هذا الكتاب بمقالاته البحثية التي قاربت المئة، والتي انتظمت صفحاته الثلاثمئة والخمسين، مدرجة بنسقٍ منطقي، هو أشبه بمضبطة اتهام محكمة الوقائع حول تفليسة العصر وسرقة القرن، التي استحال فيها المودعون، لبنانيين وأجانب، ضحايا نظام مصرفي، فشل النظام السياسي والأجهزة الرقابية بحمايتهم من شروره.

وفي قراءة تحليلية للعناوين الداخلية للكتاب، تبرز بوضوح تقنية استخدام أربعة أنماط من العناوين، أضفت أساليبها على النصوص طابع المسؤولية في الطرح والمعالجة وجذب القارئ المهتم من أول كلمة في المقال وانتهاءً بقفلة النص، مع ما يتركه ذلك من إيحاءات ويخلص إليه من اقتناعات، هي أشبه بدليل توعوي وإرشادي للناس، ومضبطة اتهامية للسلطة بكل طبقاتها ومراتب مسؤلياتها. وتتوزع أنماط العناوين والمقالات المرافقة لها، بين المقالات التساؤلية، والمقالات الاستجوابية، والمقالات الاتهامية، وكلها تشيع فيها العقلانية الواقعية في تقنيات الرصد والتحليل واحترام مسؤولية الكتابة المتخصصة المشفوعة بخبرة واضطلاع عميقين في علوم الاقتصاد والسياسات المالية للدول.

إن ما اتصفت به بحوث بشارة مرهج، وكتاباته في صياغة سياسات نقدية واقعية لمواجهة الانهيار الاقتصادي والأخلاقي والقيمي، يشكل نوعاً من فنون التعبير النقدي الواعي للسلطات المتعاقبة، انطلاقاً من حرصه على سمعة الوطن وكرامة الناس الذين آمنوا بالدولة وصدقوا الوعود وغُدر بهم فجراً.

بلياقة تعبيرية واضحة المصطلحات، ومعرفة عميقة بأصول التعامل مع الأرقام والأعداد، قدّم المفكر السياسي الأبيض بشارة مرهج رؤيته الاقتصادية لإعادة الاتزان إلى النظام الاقتصادي والمصرفي، موظفاً خبرته التخصصية وخدمته في السلطتين التشريعية والتنفيذية، نائباً مشرعاً ومناقشاً، ووزيراً للدولة والداخلية، والإصلاح الإداري، محاولاً الإسهام بصياغة رؤية وطنية للخلوص من الأزمات وتجاوز النزاعات وحل الخلافات ورد الاعتبار لمفهوم الدولة، كسلطة حاكمة وحامية وضابطة للحقوق وراعية لكرامات الناس، لا كسلطة جبرية متحكمة وجابية.

 

* وزير الشباب والرياضة

موضوعات ذات صلة