الإثنين ٠٦ / أكتوبر / ٢٠٢٥
من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية

أخبار عاجلة

طوفان الأقصى ينتقل بشكلٍ مُتسارعٍ إلى الضفّة.. ويعدّ استقبالًا حارًّا لترامب وصفقة قرنه.. وضربات مُوجعة بل قاتلة لنتنياهو.. إليكُم التفاصيل

خيار لبنان الوحيد: المقاومة للدفاع عن النفس

خيار لبنان الوحيد: المقاومة للدفاع عن النفس

خيار لبنان الوحيد: المقاومة للدفاع عن النفس

د. عصام نعمان  

يدور جدال طويل (وعقيم) في لبنان حول أيهما أجدى : السعي الى وقف إطلاق النار ام العمل، وبالتالي المقاومة ، بغية وقف عدوان "اسرائيل" المتصاعد على الأرض والبشر والشجر والحجر والمقاومة والجيش وقوات حفظ السلام الأممية "اليونيفل" وكل مظاهر الحياة في بلاد الأرز .

مريدو وقف إطلاق النار جلّهم من خصوم حزب الله الناهض مع تنظيمات أخرى لبنانية وفلسطينية بمقاومة ضارية للعدو الصهيوني . مريدو وقف العدوان الصهيوني جلّهم من أعداء "اسرائيل" التي ما فتئت تعتدي على لبنان بشكل او بآخر مذّ وقّع معها إتفاق الهدنة سنة 1949 وصولاً الى إحتلالها نحو نصف مساحته سنة 1982 وإقامة شريط إحتلال متواصل على إمتداد حدوده مع فلسطين المحتلة دام نحو عشرين سنة ، ولم تنسحب منه إلاّ بفضل مقاومة شعبية عنيدة .

ها هي "اسرائيل" اليوم تحاول إعادة إحتلال لبنان . وها هو حزب الله يقوم اليوم مع حلفائه بالتصدي لها وتكبيدها خسائر بشرية ومادية فادحة ، ناهيك عن إصابته منزل رئيس حكومة كيان الإحتلال بنيامين نتنياهو في قيساريه ما حملها على إطلاق العنان لسلاحها الجوي ليضرب ليل نهار المنازل والمحال المدنية على مدى مساحة لبنان كله من جنوبه الى شماله والتسبّب بتهجير ما لا يقلّ عن مليون وثلاثماية الف مواطن.

إذ ينشغل اللبنانيون في جدالهم الطويل والعقيم حول أيهما أجدى وقف إطلاق النار ام وقف العدوان الإسرائيلي الفاجر ، ينبري نتنياهو الى الردّ على الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي كان دعاه الى تجنّب التعرّض لقوات الأمم المتحدة "اليونيفل" في جنوب لبنان  ، مشدداً على معارضة "اسرائيل" وقف إطلاق النار من جانب واحد مع حزب الله ، ومؤكداً على ان القوات الإسرائيلية طلبت من "اليونيفل" المغادرة مرات عدّة وقوبلت برفض متكرر، مدعياً ان ذلك يوفّر درعاً بشرية لـِ "إرهابيي حزب الله" ، وناعتاً ماكرون وغيره من دعاة وقف توريد الأسلحة للكيان الصهيوني في هذه  الآونة "بوجوب أن يشعروا بالعار من مثل هذه الدعوة" !

ما كان تنياهو ليتغوّل في مواقفه من وقف إطلاق النار والإعتداء على "اليونيفل" ومطالبتها بمغادرة جنوب لبنان ، والتمادي في ذم ّماكرون ودعوته للشعور بالعار لكونه طالب بوقف توريد الأسلحة الى "اسرائيل" لولا وثوقه من دعم الولايات المتحدة له في حربه الإبادية على غزة وإعتدائه الفاجر على لبنان ورفضه لوقف أطلاق  النار. ألم يصرح الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه يعلم توقيت وطبيعة هجوم "اسرائيل" المرتقب على ايران إنما "لن يكشف ذلك الآن" ؟ ألم يصرّح موفده الى لبنان عاموس هوكشتاين لقناة "الجديد" التلفزيونية "ان القرار الأممي 1701 يحتاج الى تعديلات واضافات من اجل ضمان تطبيقه"، رافضاً تقديم اي ضمانات بما يتعلّق بوقف العدو لقصف العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية ؟ ألا تثبت هذه الإعتداءات والمواقف ما بات واضحاً بأن الحراك السياسي الأميركي يدور ضمن إطار المساعي الهادفة الى إستكمال ما لم ينجح العدو الصهيوني في تحقيقه في المعادلة الداخلية اللبنانية وهو بلورة صيغة سياسية تهدف الى ضمان عدم تعافي مقاومة حزب الله وحلفائه وإستعادة قدراتهم وقوة ردعهم في الحاضر وفي مرحلة ما بعد الحرب ؟

في ضوء هذه الواقعات والتطورات ، يتضح ان لبنان ليس في وضع يمكّنه من المفاضلة بين وقف إطلاق النار ووقف العدوان الإسرائيلي المتواصل بل بات محكوماً بتبني خيار وحيد هو المقاومة الناهضة  بواجب الدفاع عن النفس، وضرورة الإلتزام تالياً بوجوب توفير كل القدرات والمستلزمات المطلوبة لتأمين النجاح في صدّ العدو وإلحاق الهزيمة به.

أكثر من ذلك ، بات لزاماً على القوى الوطنية في الحكم والمعارضة ان تعي حقيقة صارخة هي عدم توقّع أي دعم محسوس ومجدٍّ من القوى الحاكمة في دول الغرب الأطلسي الاوروبية والاميركية . ذلك ان التطورات السياسية والإقتصادية في تلك الدول أثّرت في قوى اليمين ذات  التراث الايديولوجي اللاسامي ، بحسب المفكّر الفرنسي المعروف ألان غريش ، و"حوّلتها الى قوى مؤيدة لإسرائيل إذ أضحى الإسلام بالنسبة اليها هوالعدو الرئيس بعدما نجحت في فرض خطابها ومفاهيمها على الساحة السياسية في البلدان الاوروبية".

الى ذلك ، ثمة حقيقة اخرى يقتضي ان تأخذها في الحسبان قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية هي ان ما من قوة وازنة تدعمها في العالم سوى ايران . ولئن تمكّنت ايران من مواجهة الضغوط والعقوبات الأميركية ضدها منذ إنطلاق ثورتها سنة 1979، ونجاحها على الصعيدين العسكري (خصوصاً في صناعة الصواريخ الباليستية بعيدة المدى) والتكنولوجي إلاّ أنها ما زالت تواجه ضغوطاً اميركية شديدة وخطراً اسرائيلياً داهماً بإستخدام السلاح النووي ضدها .

صحيح أن ايران أبدت إستعداداً جدّياً لدعم قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية سياسياً وعسكرياً، وأوفدت كلاً من وزير خارجيتها عباس عراقجي ورئيس برلمانها محمد باقر قاليباف الى لبنان وسوريا ليؤكدا إلتزام طهران بدعم قوى المقاومة والحكومات العربية التي تناصرها ، إلاّ ان إلتزامها الاول يبقى الدفاع عن نفسها لكونها مهدّدة بهجوم اسرائيلي قد يستهدف منشآتها النووية .

قد تكون طهران قادرة على الوفاء بالإلتزامين معاً ، لكن التحدّي يبقى كبيراً جداً ، لاسيما اذا إستطاع نتنياهو ان يجرّ الولايات المتحدة الى مشاركته هجومه المرتقب عليها قبل الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

مهما يكن الأمر ، فإن ايران ما كانت لتلتزم دعم المقاومتين اللبنانية والفلسطينية لو لم تكن قادرة على ذلك ، ولعلها تدرك ايضاً ان ما تفتقر اليه كِلا المقاومتين ، خصوصاً المقاومة اللبنانية ، صواريخ للدفاع الجوي تستطيع التصدي لطائرات "اسرائيل" المتطورة من طراز F-35 .

يتردّد ان ايران تمتلك صواريخ S-300 وربما S-400 الروسية  الصنع التي تستطيع إسقاط طائرات اسرائيل الأميركية المتطورة  اذا كانت تحلّق في سماء ايران او على مقربة من اجوائها ، إنما يتعذر عليها ذلك اذا كانت تحلّق فوق لبنان او فلسطين نظراً لبعد المسافة.

كيف يمكن معالجة هذه المعضلة ؟

يُقال أن ثمة حلّين : الأول صعب والثاني سهل . الحل الصعب هو تزويد قوى المقاومة بصواريخ دفاع جوي فعالة تمتلكها ايران إنما يصعب نقلها الى لبنان. الحل السهل هو ان  تقوم طهران بتزويد قوى المقاومة العراقية بهذه الصواريخ بغية إستخدامها ضد طائرات "اسرائيل" عند قيامها بقصف اهداف مدنية او عسكرية في لبنان . يبقى ان تكون الصواريخ الإيرانية تلك قادرة على الإنطلاق والفعل المجدي من اقرب مسافة بين العراق ولبنان.

اما اذا كان طول المسافة يحول دون إستخدام قوى المقاومة العراقية صواريخ الدفاع الجوي الإيرانية من العراق ، فلا يبقى امام طهران إلاّ الإعلان بأن "ثأرها"من "اسرائيل" انتقاماً للبنان وفلسطين وإكراماً لشعبيهما سيتجلّى في ردّها الصاعق على هجوم "اسرائيل" المرتقب عليها قبل يوم 5 نوفمبر المقبل او بعده .

الصبر الإستراتيجي مفتاح الفرج اللبناني والفلسطيني .

issam.naaman@hotmail

موضوعات ذات صلة