
الخديعة: لماذا هجوم اسرائيل رمزي على ايران ووحشي على لبنان ؟

الخديعة: لماذا هجوم "اسرائيل" رمزي على ايران ووحشي على لبنان ؟
د. عصام نعمان
اخيراً فعلها بنيامين نتنياهو قبل موعد الإنتخابات الرئاسية الاميركية في 5 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل: شنَّ هجوماً رمزياً باهتاً على ايران ووحشياً قاسياً على لبنان . هجومه على ايران تمّ بصواريخ قيل إن إطلاقها كان من بلدان مجاورة، وان فعاليتها كانت محدودة جداً لدرجة أن الحياة في طهران غداة إطلاقها كانت طبيعية وكأن شيئاً لم يكن بدليل انه لم يصدر عن الحكومة والحرس الثوري تأكيدٌ بردٍّ سريع على الإعتداء.
الهجوم ُعلى لبنان سبق الهجوم على ايران وإستهدف بلا هوادة البشر والشجر والحجر والمزارع والمصانع والمستشفيات والمساجد وقنوات التلفزة والصحف والمراسلين والممرضين والمسعفين وكل مرافق الحياة وتسبّب بنزوح اكثر من مليون وثلاثماية الف مواطن .
لماذا؟ هل في الأمر خديعة ؟
ثمة أراء وأقاويل شتى. بعضها أكّد ان الإدارة الاميركية ضغطت على نتنياهو لعدم إستهداف منشآت ايران النووية او مرافقها النفطية والغازية وذلك تفادياً لقيامها بشنّ ردٍّ قاسٍ يكون من شأنه ليس تضرّر "اسرائيل" فحسب بل التسبّب أيضاً بإرتفاعٍ هائل في أسعار النفط على مستوى العالم برمته ، وتكون دول الغرب اول واكثر المتضررين. البعض الآخر اكّد أن نتنياهو إستخلص العِبرة المستفادة من ضربة ايران المدمّرة للكيان الصهيوني (الوعد الصادق 2) مطلعَ الشهر الجاري فآثر تفادي ردٍّ من ايران مماثل وربما أقوى إذا كان هجومه عليها شديداً .
غير أن ثمة بين المعلّقين والكتّاب السياسيين مَن ذهب مذهباً مغايراً في التفسير او التخمين. هؤلاء رجّحوا أن في الأمر خديعة مفادها ان نتنياهو أراد إسترضاء الإدارة الاميركية ومرشحتها كمالا هاريس في الإنتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 5 نوفمبر المقبل فأحجم مؤقتاً عن شنّ هجوم قاسٍ على ايران ، حتى إذا تيقّن من أن الفائز سيكون حليفه دونالد ترامب بادر على الفور الى شنّ هجومه القاسي الموعود.
الى ذلك، نجد بين هؤلاء المعلّقين والكتّاب السياسيين مَن يعتقد أن نتنياهو أدرك انه يتعذّر عليه النيل من ايران بعدما أصبحت قويةً جداً وربما تمتلك سلاحاً نووياً فآثر الإكتفاء بضرب حلفائها الذين يطوقون كيان الإحتلال من الشمال (حزب الله في لبنان) ومن الشرق (فصائل الحشد الشعبي في العراق ) ومن الجنوب (أنصار الله الحوثيون في اليمن) فإكتفى تالياً بتعهدٍ من الولايات المتحدة وبريطانيا بأن تغدقا عليه السلاح الثقيل ليضرب حزب الله في لبنان كما تساعدانه على ضرب فصائل المقاومة في العراق واليمن .
ايّاً ما كان الأمر ، فإن ثمة حقيقة بازغة لا سبيل الى إنكارها هي ان "اسرائيل" ما كانت لتشنّ حربها الوحشية على حلفاء ايران في محور المقاومة لولا الدعم القوي والمكشوف الذي تتلقاه من الولايات المتحدة، لاسيما دعمها للعدو الصهيوني في حربه الضارية على لبنان . ولعل آخر وأخطر موبيقات "اسرائيل" المتناسلة في هذا المجال قيامها اخيراً بتسديد ضربةٍ غادرة في عتمة الليل استهدفت نفراً من الإعلاميين اللبنانيين العاملين في قناتيّ "الميادين" و"المنار" التلفزيونيتين ما أدى الى إرتقاء ثلاثة منهم شهداء وجرح آخرين أثناء نومهم في مقرهم بحاصبيا البعيدة نسبياً عن ميدان القتال .
اذا كان اللبنانيون وأنصار المقاومة في عالم العرب يتطلعون الى تصعيدٍ في عمليات المقاومة في كلٍّ من لبنان وفلسطين والعراق واليمن ، إلآّ انهم يستغربون هذا السكوت المريب من معظم الدول العربية إزاء إغتيال "اسرائيل" للإعلاميين اللبنانيين. هم يعرفون ان بعضها مقيّد بمعاهدات صلح مع العدو الصهيوني، وأن بعضها الآخر ملتزم سياسة التطبيع السياسي والإقتصادي معه ، لكنهم يستغربون هذا السكوت المريب عن إستنكار تغوّل الكيان الصهيوني في حربه الوحشية على المدنيين ، ولا سيما على الأطباء والممرضين والمسعفين واخيراً وليس آخراً على الإعلاميين من حَمَلَة الأقلام وألات التصوير ليس إلاّ .
هل كثيرٌ على أهل السلطة في بلدان السكوت المريب في دنيا العرب ان يرفعوا عقيرتهم بالإحتجاج والإستنكار والإدانة على ما يرتكبه كيان الإحتلال المتوحش من جرائم مروّعة ضد المدنيين ؟
أياً ما تكن ردة فعل أهل السكوت المريب عن جرائم "اسرائيل" ، يبقى الملتزمون بمقاومة كيان الإحتلال والمعنيون بضرورة دعم المقاومة ضده مطالّبين قبل غيرهم بأن يتفكروا ويتدبروا مسألة مواجهة هذا الكيان المتوحش ومن يقف وراءه في هذه المرحلة المفصلية من الصراع.
لعل انصار المقاومة ، لاسيما الناهضين منهم بالقتال ضد الصهاينة ، بغنى عن نصائح تتعلّق بمتطلبات القتال اللوجيستية ، لكنهم جميعاً معنيون بمتطلبات المواجهة السياسية والقانونية والإعلامية . في هذا المجال ، ليس من المغالاة المطالبة بعدم الإكتفاء بشجب وإستنكار وإدانة جرائم العدو ضد المدنيين بل تقتضي المبادرة الى مطالبة الحكومة اللبنانية بالإدعاء على المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية لثبوت مسؤوليتهم عن ارتكاب جريمة إغتيال الإعلاميين اللبنانيين المدنيين غير المسلحين من جهة ، ومن جهة اخرى بغية فضح إجرام العدو امام الرأي العام في دول العالم أجمع .
إن إغتيال الإعلاميين المدنيين منافٍ لأحكام القانون الدولي ولأحكام القانون الدولي الإنساني خاصة ً ، كما لعدة قرارات وتوصيات للأمم المتحدة تقضي بحماية الإعلاميين وعدم مضايقتهم في ادائهم لمهامهم . صحيح ان المحكمة الجنائية الدولية تواجه في الوقت الحاضر حملةً متصاعدة تشنّها الولايات المتحدة و"اسرائيل" لتعطيل طلب المدعي العام لديها كريم خان الداعي لإصدار قرار بتوقيف كلٍّ من بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالنت لثبوت إرتكابهما أفعالاً جنائية ضد المدنيين في قطاع غزة . لكن هذه الحملة الظالمة ضد المحكمة يجب ان تشكّل حافزاً لنا ولكل دعاة إحترام حقوق الإنسان في العالم كي يفعّلوا إعتراضهم ومواجهتهم لكل حملةٍ غايتها تعطيل عمل المحكمة الجنائية الدولية أيّاً تكن الجهة المناوئة لها . هذا مع العلم ان تنظيم حملة عالمية مضادة لتغوّل اميركا و"اسرائيل" في محاولتهما تعطيل هذه المحكمة يصبّ في مصلحة التيار الشعبي المتصاعد في شتى دول العالم ، وخصوصاً في اوروبا واميركا ، لنصرة قضية فلسطين وشعبها المناضل من اجل الحرية والتحرير وإنهاء الإحتلال الصهيوني والعودة الى الوطن السليب.
الخلاصة : يقتضي تفعيل وتصعيد المقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي في كل الميادين وليس في ميدان القتال فقط .
issam.naaman@hotmail.com
*********************