
لمن أنحني

لمن أنحني
د. هاني سليمان
للأرض المعطاء،
الام الرؤوم التي احتضنت أولادها فرمت عليهم عباءتها غطاءً يقيهم البرد
القارس في أعالي الجبال وفي أعمق الوديان.
أم أقول مع
الشاعر القروي رشيد سليم الخوري
خير المطالع
تسليم على الشهداء
أزكى الصلاة على
أرواحهم أبدا
أم الى الجرحى الذين تركوا مدارسهم والجامعات،
واشغالهم والمصانع، والاهل والأحبة والجيران، وفتحوا شرايينهم كي يرووا أرض
الكرامة وكأنني بهم يرددون مع الشاعر الكبير عمر شبلي
هم فاوضوني على
جرحي فقلت لهم
خذوا الضماد
فجرحي لا أغيرهُ
ورحت امشي وجرحي
في الطريق معي
والجرح يصبح
جرحاً حين تخسرُهُ
أم الى الأمهات
جميعاً وخاصة تلك التي أُعلن استشهاد ابنها بعد انقطاع دام شهراً كاملاً فعاد
اليها ليرمي بنفسه تحت أقدامها، فتسبقه لترمي بنفسها امام قدميه في منظر تعجز فيه
عن حبس طوفان الدمع في عينيك .
بعد وقف اطلاق
النار سألتْ إحدى الصديقات، هل أضحك أو أبكي؟ فقلت لها بلا تردد تضحكين نعم،
وتبكين نعم، شرط ان يكون الضحك والبكاء متلازمين.
ضحكة الانتصار
جميلة .
ودمعة الانتصار
اجمل
الفرح هنا له
الف سبب
والدمعة هنا لها
ألف مبرر.
صحيح انهما
مختلفان في المبنى، لكنهما واحد في المعنى . وعلى قاعدة اختلافهما، أرى انهما
توأمان يحصلان بعد الولادة.
من منا لم يشهد
أماً تبتسم بعد أن تلد طفلها ؟
ومن منا لم يشهد
طفلاً يبكي بعد الولادة ؟
للبكاء فلسفته
الخاصة وما أعمقها حين تضع الحرب اوزارها.
هل البكاء مستحب
؟ نعم، بل هو واجب على الشرفاء والمنتمين وأبناء الأصل والأرض .
ما رأيت جباناً
يبكي قضية مقدسة، ولا رأيت محرضاً ضد المقاومة يبكي، إلا بعد هزيمة العدوان.
البكاء نعمة
الشرفاء وصَدَقَتهم على الشهداء، والصدقة بشرعنا تنزل على يدي الله سبحانه .
أنا بكيت يوم
رأيت شهيد الأمة ينعي أبنه الشهيد فؤاد شكر، لكني لم أبك يوم استشهد السيد. جفًت
دموعي ، فيبست مآقيّ، ونشفت عروقي.
وأبلغ كلام قاله
شاعر صديق يختلف مع الشهيد السيد في بعض التوجهات، لا يُستشهد إلا العظماء، والسيد
هو شهيد عظمته رحمه الله.
وأردف قائلاً:
بكيته رغم أني
لم أكن معه
بعض البكاء له
قربى بلا نسبِ
اما اللامبالون
أو الهازمون انفسهم مسبقاً، أولئك الذين استقالوا قبل ان يبدأوا، يتحدثون اليوم عن
الأخطاء وتجاهلوا خطايا التنظير للعدوان والاستكانة له، وامضوا وقتهم في تعداد
الخسائر المادية والإنسانية، ولم يصرفوا دقيقة واحدة من وقتهم لرفد مقاومتنا ولو
بالدعاء لها. هذا اذا تجاوزنا المجنّدين المكلّفين بتوهين روح المقاومة. على
امتداد أرضنا المقدسة.
نعم خسرنا
الارزاق والبيوت، لكننا ربحنا كرامة الله بالاستجابة لأوامره بالجهاد "كتب عليكم القتال وهو كُرْهُّ لكم."
وأنا أكتب هذه
السطور، أتذكر انه وعلى مدار الساعة واليوم والاسبوع والشهر والسنة، في النهار
والليل كانت مصانع الأسلحة في الغرب شغالة، رفداً للعدوان، بل لإيقافه على رجليه
بعد ان خارت قواه على اعتاب وتخوم بلدنا .
وبعد هل تدرون
من كنا نحارب؟ أو على الاصح من كان
يحاربنا ؟
ورغم ذلك كانت
العودة المظفرة الى الديار بعد احتضان دافئ وحميم. عودة المهاجرين والانصار
ليعيدوا الفتح الموعود بشروط الكرامة وشروط السيادة.
نعم السيادة هل
فهمتم مقصدي ؟
ما أعظمكم وانتم
ترفعون راية المقاومة وتشكّونها فوق انقاض
بيوتكم المدمرة، أو على شجراتكم الناجية من فوسفور الهمجية، أو فوق سطوحكم التي
طالما فرشتم عليها الصعتر ومونة البيت .
ما انبلكم حين
عناقكم لبعضكم كطيري الحب .
ما انخاكم يوم
وقفتم الى جانب المظلومين في غزة تحت شعار
" هيهات"
أنا مدين لكم
ببقاء منزلي في بيروت سالماً - تدرون او
لا تدرون - بل تدرون.
انا كلبناني
خارج الجنوب مدين لتضحياتكم من أجلي، دون ان تتعرفوا عليّ أو تعرفوا اسمي .
فأنا لم أكن
جاراً لكم في السكن .
وانا لم أكن
قريباً لكم في النسب .
ورغم ذلك
"فرضتم" علي نعمة الانتساب.
انا كعربي من لبنان ذكرتموني بنخوة العرب وخذلان
العربان.
انا كمسيحي
مشرقي ممتن لكم بجمعكم بين كنيسة القيامة والمسجد الأقصى ، ومعاهدكم على اكمال
رسالة التوحيد والوحدة.
*********************