الإثنين ٠٦ / أكتوبر / ٢٠٢٥
من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية

أخبار عاجلة

طوفان الأقصى ينتقل بشكلٍ مُتسارعٍ إلى الضفّة.. ويعدّ استقبالًا حارًّا لترامب وصفقة قرنه.. وضربات مُوجعة بل قاتلة لنتنياهو.. إليكُم التفاصيل

تفاهمات جديدة في غرب آسيا أو أول حرب في البريكس؟

تفاهمات جديدة في غرب آسيا أو أول حرب في البريكس؟

تفاهمات جديدة في غرب آسيا أو أول حرب في البريكس؟

د. زياد حافظ


تسارع الاحداث في غرب آسيا بدءا من الهدنة الهشة في لبنان إلى السعي إلى هدنة مماثلة في غزة ووصولا إلى احداث سوريا الأخيرة تعكس التحوّلات في موازين القوّة في الإقليم وعلى الصعيد الدولي. فهناك منظومة جديدة للمنطقة أي "شرق أوسط جديد" ترسم، ولكن ليس على هوى القوى الغربية والكيان الصهيوني.

طوفان الأقصى" كشف عجز الكيان الصهيوني على القضاء على القوى الشعبية التي تصدّت له وللتحالف الغربي في غرب آسيا ما فرض على الكيان الطلب لهدنة قد تطول في رأينا رغم التصريحات العالية النبرة في الكيان. فشل الكيان يعني القضاء على مشاريع تغيير وجه الإقليم كما تريده الولايات المتحدة وسائر الدول الغربية فلذلك لا بد من إعادة قراءة ما يحدث في سورية على ضوء مختلف عن القراءات التي تفيد أن احداث سورية هي امتداد لحرب الكيان على محور المقاومة. فكيف يستطيع الكيان أن يعوّض عن فشله عبر جبهة إضافية؟  فجيش الكيان في حالة ارهاق كبير ويشهد نقصا في العداد لذلك عليه إعادة بناء قوّات النخبة. وهذا الامر قد يتجاوز مهلة الستين يوم المنصوص عليها في اتفاق وقف إطلاق النار وبالتالي تصبح مرشّحة للتمديد. وهدف مقاربتنا ليس في تحليل معاني وأبعاد الهدنة التي حصلت في لبنان والتي ربما ستحصل في غزة في فترة قد لا تطول لنفس الأسباب التي أدّت إلى طلب الكيان الهدنة في لبنان. هدفنا هو مقاربة ما حصل بعد وخاصة فيما يتعلّق بأحداث سورية التي تلت وقف إطلاق النار.

كثيرون اعتبروا أن إشعال جبهة سورية هو امتداد للحرب الصهيونية على محور المقاومة. لن نخالف هذا الرأي وإن كانت لدينا تساؤلات حول جدوى ذلك المنحى في الظروف التي يمرّ بها الكيان والوضع الهش للدول الغربية بشكل عام والولايات المتحدة التي تواجه حتمية هزيمة استراتيجية كبيرة في شرق أوروبا بعد القضاء على ما تبقّى من القوّات الأوكرانية على يد الجيش الروسي. الحرب الجديدة المشتعلة في سورية هي حرب أميركية وبريطانية وصهيونية في آن واحد. فهي امتداد للحرب في أوكرانيا مع محاولة لإشعالها في جورجيا وكل ذلك للتعويض على الخسارة الحتمية في أوكرانيا.  ما يبرّر هذا التوسيع لرقعة المواجهة هو حالة الانكار عند الإدارة الحالية في البيت الأبيض للتغيير الذي حصل في الميدان لموازين القوّة سواء في غرب آسيا أو في شرق أوروبا. وقد تكون هذه الخطوة لإرباك الرئيس المنتخب في ملّف جديد من ضمن خطة الكيد الداخلي الأميركي. فالرئيس المنتخب كان يريد الانسحاب من سورية إلاّ ان الدولة العميقة في الولايات المتحدة أفشلته. فهل يستطيع تكرار الموقف وخاصة بعد الإخفاق الصهيوني. فالوجود الأميركي في كل من سورية والعراق هو لحماية الكيان. لكن إذا كانت كلفة تلك الحماية لا تأتي بمردود سياسي ملموس فيمكن التساؤل حول جدوى البقاء في كل من سورية والعراق.  هناك من سيثير قضية النفط في سورية والعراق خاصة وان الرئيس المنتخب صرّح مرارا وتكرارا ان إدارة بوش الابن أخطأت في عدم الاستيلاء على آبار النفط في العراق. فهل سيتخلّى ترامب عن آبار النفط التي استولت عليها الولايات المتحدة في سورية؟  هذا القرار مرتبط بقراءة متأنية لموازين القوّة في المنطقة وقدرة الولايات المتحدة على تحمّل تداعيات البقاء خاصة إذا ما تصاعدت الضربات على القواعد العسكرية في كل من العراق وسورية. فهذا موضوع آخر نعالجه في مقاربة منفصلة.

وهناك قراءة أخرى لا تتناقض بالضرورة مع الرؤية أعلاه وهي ان إشعال الجبهة السورية هي مقدّمة لترتيبات سياسية برعاية روسية إيرانية وصينية وبموافقة عربية. فبعد ظهور الضعف الصهيوني لعجزه عن تغيير موازين القوّة في كل من لبنان وغزّة وخسارة صورته وسمعته في العالم وبعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية تحت عنوان عدم الانخراط في حروب جديدة فبات واضحا أن الاستقرار في المنطقة يفرض حل معضلة الاحتلالات الأجنبية في سورية، أي الاحتلال التركي والأميركي وفيما بعد الصهيوني. الأولوية يبدو هي الوصول إلى تفاهم بين الدولة السورية وتركيا ولن يتم ذلك إلا بعد تحييد إن لم تكن تصفية جماعات الغلو والتوحّش والتعصّب التي تشغّلها المخابرات الغربية. ومن طرائف الأمور تعليق إحدى الصحف الأميركية أن الساحة السورية تشهد قتالا بين فئات تموّلها المخابرات الأميركية والبريطانية وبين فئات تعمل بتمويل البنتاغون. التشابك في التمويل يعكس التشابك في الدولة العميقة في الولايات المتحدة حيث البنتاغون ومجمع المؤسسات الاستخبارية ليست على صفحة واحدة كما يُقال في العامية الأميركية. المهم هنا هو استشراف لما بعد.

ملابسات الهجوم على مواقع تحت سيطرة الدولة في سورية كثيرة إلاّ أنه لم يكن مفاجئا. فالتحرّكات لجماعات التعصّب كانت متابعة من قبل الأجهزة الاستخبارية الروسية والسورية ما يُفسّر كلام الرئيس الروسي للرئيس السوري في لقائهم الأخير منذ حوالي شهرين حول احداث خطيرة قادمة في سورية. لا نعتقد أن المقصود هو حرب يشنّها الكيان على سورية وهو عاجز عن حسمها في كل من غزّة ولبنان. المقصود هو ما نشهده اليوم. ومهمة القضاء على تلك الجماعات تقتضي خروج تلك الجماعات من معقلهم في ادلب.

اما دور تركيا في تلك الهجمة فهناك عدّة قراءات له. فمن جهة يعتبر بعض المراقبين أن الرئيس التركي اعتبر أن الفرصة مناسبة لتثبيت مواقع لتركيا على الأرض السورية والعراقية وصولا إلى الحدود الإيرانية. وهناك قراءة تقول إن بعد ظهور الضعف الصهيوني سنحت الفرصة لتركيا أن تكون الوكيل الأساسي للولايات المتحدة فكان لا بد من تقديم أوراق اعتماد لترامب قد تحصل تركيا من خلالها على اتمام صفقة بيع طائرات أف 35 التي اوقفتها إدارة بايدن. وهناك قراءة تعتبر أن الفرصة المتاحة للرئيس التركي لتعزيز وضعه الداخلي المهتزّ عبر شد العصبية القومية التركية عبر "استرجاع" حلب وفيما بعد الموصل وكركوك إحياء لحلمه بالعثمانية الجديدة. كل ذلك يعني ضرب عرض الحائط مخرجات آستانة والتعهدات التي قطعها مع كل من الجمهورية الإسلامية في إيران وروسيا.

لكن هذه القراءات الجزئية لا تصمد اما قراءة المشهد الجيوسياسي الجديد الناتج عن هزيمة الأطلسي في شرق أوروبا. فهل يريد الرئيس التركي مواجهة روسيا بمفرده لحساب الولايات المتحدة بعد الإخفاق الجماعي للأطلسي في أوكرانيا وخاصة بعد ظهور السلاح النوعي الروسي الكاسر للميزان العسكري عبر إطلاق صاروخ اوريشنيك؟  فإطلاق هذا الصاروخ الروسي الجديد علامة فارقة الحروب يرتقي إلى فعل قنبلة هيروشيما ونغساكي دون سلبيات الاشعاع النووي. فهل تريد تركيا ان تراهن على حصان خاسر مهما كانت درجة الانتهازية عند الرئيس التركي مرتفعة؟  وإذا كانت خلفية الهجوم الحصول على مواقع جغرافية جديدة كحلب مثلا فلماذا انتظر كل هذه الفترة التي شهدت تغييرا كبيرا في ميزان القوّة لصالح محور المقاومة؟

التطوّرات الميدانية في سورية تظهر أن حجم الهجوم على الدولة لم يكن ليحصل لولا لم يكن هناك قرار من قبل إدارة بايدن والاطلسي لربط نزاع في غرب آسيا لمواجهة الجمهورية الإسلامية في إيران ومن خلال تلك المواجهة التصدّي للتقدم لمجموعة بريكس. فهل ما يحدث في سورية أوّل حروب مجموعة البريكس؟ يعتقد الأطلسي أنه بإمكان أرباك كل من روسيا وإيران في سورية لفرض تسوية ما في شرق أوروبا.

محاولة انقسام الشارع العربي الإسلامي حول سورية قد تكون العلامة الفارقة للعدوان على سورية. فهل نشهد استقطابا كما حصل خلال العشرية السابقة والتي أدّت إلى تراجع فعّالية تحريك القوى الشعبية حتى لنصرة غزّة ولبنان؟   وهل إعادة احياء الفتنة السنية الشيعية ممكنة بعد التفاهمات بين بلاد الحرمين والجمهورية الإسلامية في إيران، وبعد التحام المقاومة "السنية" والمقاومة "الشيعية" في "طوفان الأقصى" وما حققه من تعديلات في موازين القوّة في الإقليم وفي العالم؟ وكما أشرنا أعلاه فإن الموقف العربي يختلف عما كان عليه في السابق وخاصة بعد التقارب بين بلاد الحرمين والجمهورية الإسلامية في إيران. ظاهرة الجماعة المسلّحة في سورية قد تهدّد استقرار كل من العراق وبلاد الحرمين ومصر وبالتالي لا يمكن استبعاد موقف حاسم لهذه الدول لجانب الدولة السورية كما أعلنته بيانات الجامعة العربية وبلاد الحرمين ودولة الامارات. إلاّ أن النقطة الفارقة قد تكمن في موقف حركة حماس من الاحداث في سورية. فإلى أن تعلن موقفها فإن حالة الترقّب هي السائدة.

لكن نعتقد أن ما يجري هو تمهيد لترتيبات جديدة تنخرط فيها كل من سورية وتركيا. فالجهود الإيرانية والروسية لترتيب لقاء بين الرئيس السورية والتركي لم تفلح في الماضي القريب طالما لم يستجب الرئيس التركي إلى طلب اعلان مبدئي عن انسحاب تركيا من الأراضي السورية. وتطبيع العلاقات بين الدولتين ضرورة لاستقرار المنطقة خدمة لاعتبارات الأمن القومي الروسي والإيراني وبطبيعة الحال السوري. لذلك نعتقد أن النتيجة للهجوم الأخير على سورية سيفسح المجال لتسوية ما خاصة أنه لا يوجد افق سياسي لذلك الهجوم رغم التقدّم لجماعات تركيا على الأرض. فهذا التقدّم موقّت لأن موازين القوّة في آخر 2024 تختلف كلّيا عن موازين القوة التي سادت فترة 2011-2015. فالموقف الغربي في حالة تضعضع بسبب أوكرانيا والموقف الصهيوني في حالة ضعف بعد الإخفاق في كل من غزّة ولبنان. أما الفارق الثالث هو كما أشرنا اعلاه الموقف العربي الذي سارع الى الوقوف إلى جانب سورية خلافا لما كان عليه في 2011. والموقف العربي الجديد هو نتيجة لقراءة التحوّلات على الصعيد الدولي والإقليمي وتراجع النفوذ الأميركي. فلاحظنا سلسلة قرارات في الآونة الأخيرة من قبل دول الخليج وخاصة في بلاد الحرمين التي عبّرت عن استقلالية متنامية في خياراتها السياسية والاقتصادية يمكن عرضها في مقاربة منفصلة. المهم أن

"طوفان الأقصى" سرّع في وتيرة التحوّلات العربية التي ستكون مؤثرة في المواجهة القائمة بعد التراجع الغربي وصعود الكتلة الاوراسية.

يبقى موضوع الميدان الذي هو سيرسم توجّهات المرحلة القادمة. المواجهة في سورية قد تطول وقد تقصر وفقا للتصوّرات التي برزت. لكن في تقديرنا مستقبل المواجهة هو رهن موازين القوّة في الميدان كما في السياسة. السؤال هو هل باستطاعة جماعات التعصّب والغلو والتوحّش الاستمرار في مواجهة مع حلف يضم كل من الجيش العربي السوري والجمهورية الإسلامية في أيران وحزب الله والحشد الشعبي في العراق؟   صحيح أن الجيش العربي السوري منتشر في الجبهة الشمالية والجنوبية، وصحيح ان حزب الله خاض حربا ضروسا في لبنان ضد الكيان ووقف النار ما زال هشّا، وصحيح أن قوّات الحشد الشعبي في العراق قد لا تملك القدرة والكفاءة القتالية الموجودة عند حزب الله، لكن بالمقابل إمكانية الامدادات البشرية والعسكرية لجماعات التعصب والغلو والتوحش محدودة في الظروف الحالية. مخازن الترسانات الغربية أصبحت شبه فارغة والترسانة التركية ليست في خدمة تلك الجماعات إلى ما لا نهاية. وليس من المؤكّد ان الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة معنية في تورّط جديد في غرب آسيا وربما قد نشهد انسحاب للقوّات الأميركية من شرق سورية. لذلك من الصعب التصوّر استمرار المواجهة في الميدان لمدة طويلة كما حصل في العقد السابق. لكن هل تستطيع الجماعات المسلّحة الحفاظ على المواقع التي استولت عليها دون مساعدة الجيش التركي؟  هناك أسئلة عديدة يمكن طرحها حول مسار الأمور في الميدان لكن قراءتنا لموازين القوّة في الإقليم تفيد أنه ليس من إمكانية لاستمرار الجماعات المسلّحة في مواجهة الضغط الميداني الذي يفرضه الجيش العربي السوري وحلفاؤه.

لاحظنا أن الدبلوماسية الإيرانية والروسية كانت ناشطة جدا في المنطقة إضافة إلى الدعم المادي لسورية. فهذا يدلّ على أن سورية خط أحمر بالنسبة لهما. من جهة ثانية لاحظنا أن روسيا وإيران لم تتهما بشكل علني الرئيس التركي لدوره في الهجوم على سورية كما لاحظنا تضارب التصريحات التركية حول دورها في الموضوع. وإضافة إلى ذلك فإن المعارضة التركية أدانت الحكومة على دورها وعرضت مد اليد لسورية للوصول إلى تسوية. هذا لا يعني أن التسوية حتمية لكن من الواضح أنه لا يمكن للرئيس التركي المضي في دعم جماعات التعصّب والغلو والتوحّش كإنجازات تكتيكية على حساب مصالحه الاستراتيجية مع كل من روسيا والجمهورية الإسلامية في إيران وتلك الناتجة عن صعود الكتلة الاوراسية الذي أصبح جزءا منها. لذلك قراءتنا للدور التركي هو للضغط على سورية للقبول بالتطبيع معها. وهذا يتماهى مع توجّهات كل من الجمهورية الإسلامية في إيران وروسيا. لكن ما هي شروط التطبيع وما هي "التنازلات" التي سيقدّمها الرئيس التركي والرئيس السوري فهذا ما سنتابعه في الأيام القادم لأن المسألة لن تطول في رأينا.

*********************

موضوعات ذات صلة